هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

في عام 2014 قابلت شريكتي - التى أسست معها أندريا - لأول مرة بعد تبادل الرسائل لفترة من الزمن على موقع التواصل الإجتماعي تويتر. جلسنا لساعات نتأمل التغييرات الإيجابية التي تحدث في المشهد الثقافي في السودان على الرغم من الآثار المنهكة للحرب والصراع الدائر في أنحاء مختلفة من البلاد، والتحديات التي يواجهها القطاع والجهات الفاعلة فيه لتدبر أمورهم والتفوق. ولدت أندريا من تلك المناقشة بعد أقل من عام، في السادس من فبراير عام 2015 . ما بدأ كمجلة رقمية لنشر القصص الثقافية الإيجابية عن السودان، تطور إلى منصة وسائط متعددة، ومشروع ثقافي في كل من السودان وجنوب السودان وأوغندا والمنطقة الإقليمية. 

مصدر الصورة: عبدالعزيز محمد

عندما بدأنا في السودان اتصلنا ببعض الكتاب والأصدقاء والصحفيين لإنتاج محتوى، وبتروي أصبح لدينا وتيرة مستقرة. بالنسبة لجنوب السودان، كنا ضائعين فيما يتعلق بكيفية القيام بذلك، نظرًا لأن أياً منا لم يذهب إليه من قبل ولم نعرف سوى القليل عنه. لذا قررنا للسفر إلى جنوب السودان وطرح الفكرة لمنتجي المحتوى هناك، حيث يمكنهم سرد القصص من واقع حياتهم. حصلت على تأشيرتي وحجزت تذكرة، وفي أغسطس 2015 وصلت إلى جوبا لأول مرة لإستكشافها ومعرفة نوع المحتوى الذي يمكن الحصول عليه ومن يمكن أن يكتبه. 

بالنسبة لأوغندا، حدث نفس الشيء، وأتوقع أن نستمر في السفر كل مرة إلى أماكن جديدة وصنع روابط مع المواهب المحلية التي نجدها. لقد أنشأنا هذا النموذج الإبداعي حيث نعتمد تمامًا على الحكمة المحلية وقيمنا المشتركة وطموحاتنا المتفق عليها لجعل أندريا تتطور إلى ما هو مناسب على النطاق المحلي. بعد  أكثر من 6  سنوات من النمو السريع، وتطور الأعمال والعديد من المشاريع الثقافية والبحثية وعشرات الشراكات مع المراكز الفنية والفنانين والمبدعين ومنظمات المجتمع المدني والعديد من الرحلات، نحن عازمون على التوسع في القارة أكثر من أي وقت مضى. 

مصدر الصورة: بهاء أحمد

تقليديًا لم يكن السودان على اتصال جيد بجيرانه الأفارقة. لقد بُنيت علاقتنا مع دول حدودية معينة على حسب مكاسب اقتصادية وسياسية استراتيجية، فضلاً عن ارتباطات عسكرية غير متوازنة. بعد عقود من التعريب والأسلمة من قبل عدة أنظمة، أصبح الشعب السوداني أكثر انسجامًا واتصالًا بالعالم العربي من خلال السفر والعمل والعلاقات والتغطية الإعلامية. لقد ذهب عدد قليل من الناس إلى بوتسوانا وجنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا والسنغال وكينيا وتشاد لتأسيس عائلات وأعمال ومنظمات. معظم الدول في إفريقيا تعرف القليل جدًا عن السودان - إلى جانب عمر البشير ودارفور والحرب مع جنوب السودان. هذه ليست صدفة؛ لعقود من الزمان قامت وسائل الإعلام الدولية بإنتاج محتوى حول هذه القضايا متجاهلة تمامًا وعن قصد أي شيء آخر في الوسط. لقد خلق هذا وسم راسخ أو صورة نمطية معينة عن السودان وشعبه. 

سمح العصر الرقمي لبعض الأصوات الجديدة بالانضمام إلى الوسائط التقليدية ورسم قصة مختلفة من خلال المدونات وبشكل متزايد في المجلات الإلكترونية والمنتديات والصحف الرقمية ومدونات الفيديو والمؤثرين على مواقع التواصل الإجتماعي. 

ومع ذلك، لم يستحوذ السودان على اهتمام القارة حتى عام 2019 عندما تمت الإطاحة بعمر البشير في ثورة شعبية تباهت بشعارات سلمية وواجهت وحشية لا تطاق، واندلعت في اعتصام ملوّن مثير للعواطف لمدة شهرين، إستحوذ على انتباه العالم. نظر الشباب الأفريقي إلى الشباب السوداني وتعرف على شيء مألوف. كنا متفقين فكرياَ للحظة من الزمن، و تم الإعتراف بنا على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن الضجة في وسائل الإعلام الدولية لا يمكن مقارنتها بالتصريحات والأسئلة والإيماءات والعناق التي حصلت عليها في شوارع أديس أبابا، وجوبا، ونيروبي، وهرجيسا، وكمبالا، ومراكش في عام 2019. هذه هي لحظتنا المناسبة للتواصل وهذا يتطلب السفر في رحلات حول القارة للتعرف عليها. 

مصدر الصورة: يوسف ياسر

تكتسب إفريقيا زخمًا في العديد من مقاييس التنمية على الرغم من قيود الفساد والحرب والاستغلال والقوى الاستعمارية التي ما زالت تسيطر على كل ركن من أركانها. يجب أن تُبنى علاقتنا مع القارة على علاقات استراتيجية، ولكن هل لدينا رأي في السياسة الخارجية لحكومتنا على نطاق واسع؟ من غير المحتمل بعد فوضى عام 2020. ما نحتاجه هو جهد مدني فردي وجماعي لقيادة الطريق. الأمر الذي يتطلب عقلية شجاعة ومنفتحة لتقبل ثقافات جديدة ومختلفة، وقبول أن أنظمة وسياسات وهياكل الإدارة في السودان عفا عنها الزمن وأن الدافع للتحديث ضروري للتنافس أو حتى التقدم داخل العديد من البلدان الأفريقية. يعتقد الكثيرون أن السودان يمكن أن يكون بوابة إلى إفريقيا لأنه يمزج بين ثراء التراث الأفريقي الممزوج بالعديد من التعبيرات العرقية واللغات والتبوقرافيا والثروات. في الوقت الحالي، لا نستفيد من تنوعنا وقربنا من القرن الأفريقي وشرق إفريقيا، ولا نستفيد من ارتباطنا وقربنا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ما نحتاج إليه هو نهج نافع وليس النهج العربي التقليدي. 

مصدر الصورة: يوسف ياسر

في رحلتنا هذه تعلمنا أن وجود مقر رئيسي لأندريا في كل بلد سيكون غير مجدٍ ، لكن وجود مقر في بلد به مؤشرات أداء أعمال جيدة (مثل أوغندا) أمر ضروري. حيث أن النهج اللامركزي وممارسة العمل عن بعد وفرق الشباب النابضة بالحياة وذات التفكير المماثل هي الوصفة السرية لتوسعنا. مع اقترابنا دخول عام 2022،  سنتوسع بالنشر من مناطق الشرق والقرن الأفريقي الأوسع، ونخطط لمواصلة بناء المشاريع و المحتوى من هناك. يعد الإستمرار في بناء مكتبة محتوى أمرًا أساسيًا لقيادة التبادل الثقافي، حيث يمكن لشخص ما أن يأتي ويقرأ عن السودان وجنوب السودان وأوغندا وكينيا وأرض الصومال وإريتريا وإثيوبيا ورواندا وغيرها الكثير من البلدان. كما يمكن لمكتبة المحتوى هذه إثارة الاهتمام بالعديد من الصناعات وتشجيع الناس على السفر والاستكشاف. 

مصدر الصورة: جيمس وايسمان 

نتعامل حاليًا باللغة الإنجليزية والعربية فقط، لكن نأمل أن نضمّن قريبًا لغات قارية أخرى لتسهيل المحادثات مع التركيبة السكانية الأكبر، وتعزيز بصمة هذه اللغات في الإنترنت الذي تهيمن عليه اللغة الإنجليزية. نظرًا لأن عنصر مشاريع التعاون بين الثقافات عنصرًا أساسيًا في توطيد الشراكات بين البلدان وخاصة في قطاعي الفنون والثقافة، فإننا نعتزم الإصرار عليه و الإبداع فيه. في عام 2018، بعد ورشة عمل مع موسيقيين محليين وفنانين سودانيين وجنوب سودانيين كجزء من مشروع أندريا رود شو (AndariyaRoadshow#)، أخذنا الفكرة إلى أوغندا ومصر، وانتهى الأمر بإنشاء موسيقى بين فنانين من بلدان مختلفة وتسجيل ألبومات مع اشخاص ربطتنا بهم علاقة تم إنشأوها خلال هذه الرحلات. هل يمكن للسودان إغتنام هذه الفرصة والإنفتاح على القارة الأفريقية لخلق تعاون هادف ومفيد للطرفين عبر العديد من الصناعات؟ نحن سنفعل ونأمل أن يحذو الآخرون حذونا. 

مصدر الصورة: ناسا

نُشر هذا المقال في الأصل في مجلة الحداثة وننشره هنا بعد الحصول على إذنهم. 


أمنية شوكت

أمنية تحب الهواء الطلق و الطبيعة و كثرة الترحال و القراءة .تهتم بإيجاد الحلول التكنولوجية للمشاكل اليومية، وتسعى جاهدة لجمع الناس معاً لإبتكار مشاريع مليئة بالجمال و المغزى الإجتماعي. يمكنكم التواصل معها عبر تويتر OmniaShawkat@