يشهد سرطان الثدي تزايداً سريعاً في تنزانيا، ومن المتوقع أن تزيد الحالات بنسبة 82٪ بحلول عام 2030. حيث يتم تشخيص معظم النساء في مراحل متأخرة بسبب محدودية الوصول إلى الفحص والعلاج، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفاة. ويؤكد الخبراء على أن الكشف المبكر يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع الرعاية الشخصية ومتعددة التخصصات والتثقيف العام لتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة وجعل علاج السرطان أولوية صحية واقتصادية وطنية.

الشعار الرسمي للتوعية بسرطان الثدي. مصدر الصورة: (Bloom OBGYN)
يُقام شهر التوعية بسرطان الثدي طوال شهر أكتوبر من كل عام. وهو حملة صحية دولية سنوية تنظمها أبرز الجمعيات الخيرية المعنية بسرطان الثدي حول العالم لزيادة الوعي بالمرض وجمع الأموال للبحث في أسبابه وطرق الوقاية منه وتشخيصه وعلاجه وإيجاد علاج شافٍ له.
يُعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء عالمياً. في الدول ذات الدخل المرتفع، كانت البرامج الموجهة للوقاية والكشف عن سرطان الثدي واسعة النطاق مقارنة بأجزاء أخرى من العالم. وأسهمت الجهود الرامية إلى زيادة الوعي في الصحة العامة والمجموعات المناصرة للمرض في نجاح برامج الفحص وحملات التثقيف.
للأسف، الأمر ليس كذلك في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث ترتفع معدلات الوفيات بشكل مستمر، ويُعد سرطان الثدي السبب الأكثر شيوعاً لوفيات السرطان بين النساء. وللتصدي لذلك وغيره من أنواع السرطان، وضعت تنزانيا إرشادات للتحكم في السرطان وبذلت جهوداً لتجهيز المستشفيات التخصصية الكبرى بأدوات تشخيصية وتوسيع أقسام الأورام.
فهم سرطان الثدي
سرطان الثدي هو مرض تنمو فيه الخلايا في الثدي بشكل غير منضبط. هناك أنواع مختلفة من سرطان الثدي، ويعتمد الفرق على نوع الخلايا في الثدي التي تتحول إلى خلايا سرطانية. تبدأ معظم حالات سرطان الثدي في القنوات أو الفصيصات. ثم ينتشر السرطان خارج الثدي عبر الأوعية الدموية والأوعية اللمفاوية. وعندما ينتشر سرطان الثدي إلى أجزاء أخرى من الجسم، يُقال إنه قد انتشر أو تم “الانتقال السرطاني”.
هناك أنواع مختلفة من سرطان الثدي، لكن أكثرها شيوعاً هو سرطان القنوات الغازي (Invasive Ductal Carcinoma) وسرطان الفصيص الغازي (Invasive Lobular Carcinoma).
سرطان القنوات الغازي هو نوع يبدأ فيه السرطان في القنوات ثم ينمو خارجها ليصل إلى أجزاء أخرى من نسيج الثدي. كما يمكن لخلايا السرطان الغازية أن تنتشر أو تنتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم.
سرطان الفصيص الغازي هو النوع الذي تبدأ فيه الخلايا السرطانية في الفصيصات ثم تنتشر إلى نسيج الثدي المجاور. ويمكن لهذه الخلايا الغازية أيضاً أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم.

تشريح الثدي يُظهر الأجزاء الأكثر عرضة لنمو الخلايا السرطانية. (مصدر الصورة: مركز السيطرة على الأمراض والوقاية
منها)
ارتفاع المعدلات المتوقعة
في عام 2020، تم تشخيص 2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي، وسجلت 685,000 حالة وفاة على مستوى العالم. وبنهاية العام نفسه، كان هناك 7.8 مليون امرأة على قيد الحياة تم تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي خلال السنوات الخمس السابقة، مما يجعل هذا النوع من السرطان الأكثر انتشاراً عالمياً. هناك عوامل معينة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتشمل: التقدم في العمر، السمنة، التاريخ العائلي للإصابة بسرطان الثدي، الاستهلاك الضار للكحول، التعرض للإشعاع سابقاً، التاريخ الإنجابي (سن بداية الحيض و سن الحمل الأول)، التدخين، والعلاج الهرموني بعد سن اليأس. وحوالي نصف حالات سرطان الثدي تتطور لدى نساء لا يمتلكن أي عامل خطر محدد سوى الجنس (أنثى) والعمر (أكثر من 40 سنة).
في تنزانيا، يُعد سرطان الثدي ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً، حيث يمثل 14.4٪ من الحالات الجديدة، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث سبب وفيات السرطان بين النساء. ومن المتوقع أن يرتفع عدد حالات سرطان الثدي الجديدة بنسبة 82٪ بحلول عام 2030، وتتبع وفيات سرطان الثدي نفس النمط، مع زيادة بنسبة 80٪ بحلول العام نفسه. في تنزانيا، يتم تشخيص حوالي 80٪ من النساء في مراحل متقدمة (المرحلة الثالثة أو الرابعة) بسبب محدودية برامج الفحص، والتأخر في المراجعة الطبية، وصعوبة الوصول إلى العلاجات مثل العلاج الكيميائي والجراحة والعلاج الإشعاعي.

وحوالي نصف حالات سرطان الثدي تتطور لدى نساء لا يمتلكن أي عامل خطر محدد سوى الجنس والعمر. المصدر: Cancer Research UK
النسبة نفسها تقريباً (80٪) من النساء في البلدان عالية الدخل تُشفى بفضل التشخيص المبكر الفعال وبرامج العلاج المتطورة، بينما تظهر البيانات في تنزانيا أن ما لا يقل عن 50٪ من النساء المشخصات بالمرض في البلاد يمتن بسبب سرطان الثدي. وهذا يعني أن العلاجات الأقل فعالية تؤدي إلى نتائج ضعيفة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الإصابة والوفيات.
يُعد مركز بوغاندو الطبي، وهو مستشفى شبه عام وخاص في تنزانيا، أحد أربعة مستشفيات إحالة من الدرجة الثالثة، وواحد من ثلاثة فقط يقدم رعاية شاملة لمرضى السرطان. يخدم هذا المركز أربعة عشر مليون نسمة في منطقة بحيرة تنزانيا، حيث توجد مرافق خاصة محدودة تُقدم خدمات تشخيص أو علاج السرطان.
يمكن للوقاية أن تساعد في تقليل التأثير المدمر لسرطان الثدي في البلدان منخفضة الدخل، لكن يبقى الكشف المبكر عن هذا المرض حجر الزاوية في السيطرة على سرطان الثدي، وتحسين النتائج ومعدلات البقاء على قيد الحياة.
التحديات الرئيسية
تم إطلاق الشهر الوطني للتوعية بسرطان الثدي لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لإيجاد طرق لمكافحة هذا المرض والتخفيف من آثاره. وفي إطار هذه الجهود، تنفذ الحكومة التنزانية مشروعاً بقيمة 38 مليار شلن تنزاني (حوالي 16.5 مليون دولار أمريكي) للمساهمة في زيادة وعي الجمهور بالمرض، وكذلك للاستثمار في المستشفيات لتعزيز التشخيص المبكر للمرضى المصابين بسرطان الثدي.
يُعد السرطان مشكلة صحية عامة خطيرة في تنزانيا، تتطلب الكشف المبكر والفحص والعلاج والرعاية التلطيفية. حالياً، يصل إلى المستشفيات 10٪ فقط من مرضى السرطان، وتعمل الجهات المعنية بالصحة على رفع هذه النسبة إلى 20٪ على الأقل، مما يقلل عدد المرضى الذين يلجأون للعلاج عندما يكون الوقت متأخراً جداً.
الرعاية متعددة التخصصات والشخصية
لن يعتمد نجاح علاجات سرطان الثدي في المستقبل فقط على الاستثمارات المالية، بل على التركيز على النهج متعدد التخصصات. رعاية السرطان معقدة وتتطلب خبرات متعددة. للأسف، في كثير من أنحاء إفريقيا، كان المريضات يحصلن على الرعاية بناءً على الاختصاصي الذي يزورنه أولاً. على سبيل المثال، إذا تم إحالة المريضة إلى الجراح أولاً، فقد تجد نفسها على طاولة العمليات بسرعة، أما إذا زارت طبيب الأورام أولاً، فمن المرجح أن تتلقى العلاج الكيميائي.
يجب أخذ الرعاية الشخصية لكل مريضة على محمل الجد، وهذا يشمل تحديد نوع سرطان الثدي، بما في ذلك الخصائص الفريدة للورم، وعمر المريضة، والأمراض المصاحبة، وتفضيلات المريضة. نحتاج إلى نهج متعدد التخصصات يجمع كل هؤلاء الأطباء المتخصصين لوضع أفضل خطة علاج لكل مريضة.

الرعاية الشخصية لن تضمن فقط زيادة فرص النجاة، بل ستقلل أيضًا من القلق والتوتر المصاحب للعلاج. (مصدر الصورة: AKDN)
من الضروري إشراك المريضة في اتخاذ القرار بشأن خطة العلاج. فالمريضة التي تكون على علم كامل بحالتها وتم أخذ رغباتها وملاحظاتها في الاعتبار تكون أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في رحلة العلاج، ما يزيد من نجاح الخطة العلاجية. كما يجب تزويدها بمعلومات واضحة حول ما يمكن توقعه خلال العلاج لتقليل القلق وعدم اليقين، وتشجيعها على الالتزام بالعلاجات المقررة.
بناء مستقبل قائم على التوعية والوقاية
يُعد التثقيف العام عاملاً مهماً لتحقيق نتائج مستقبلية أفضل، سواء بالنسبة لفرق الرعاية الصحية أو للجمهور العام. من المهم تدريب الجيل القادم من العاملين في الرعاية الصحية على التعرف على علامات وأعراض السرطان، لا سيما مقدمي الرعاية الصحية الأولية الذين يمثلون بوابة الوصول إلى العلاج. وتُعد توعية الجمهور جزءاً أساسياً، إذ أن ما لا يقل عن 30-50٪ من حالات السرطان يمكن الوقاية منها من خلال تبني أساليب بسيطة في التغذية وممارسة الرياضة.
يؤثر السرطان في شرق إفريقيا عادة على الأشخاص في أفضل سنوات إنتاجهم، ويكون العلاج المبكر أقل تكلفة بكثير. لذلك، يجب النظر إلى الرعاية الصحية للسرطان باعتبارها استثماراً اقتصادياً. كما يوجد دور مهم لكل من العاملين في القطاع الصحي والجمهور العام في الدفع نحو التغيير، سواء على مستوى العيادات أو السياسات، بما يؤدي إلى نتائج أفضل للمرضى وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح.
