هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

شارك في تأليف هذه المقالة خبيرة النوع الاجتماعي وقائدة فريق الحركة الصفراء بيتسيلوت كيفيليجن ساهلي


الحركات النسوية والأزمات


تشير الحركة النسوية إلى سلسلة من الحملات السياسية التي تركز على إصلاح القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على حياة النساء. تتوحد هذه الجهود في التزامها بتحدي الأنظمة الأبوية، واستخدام عدسة قائمة على النوع الاجتماعي لتحليل هياكل السلطة، ومواجهة المعايير التي تدعم عدم المساواة المبنية على الجنس. في منطقة شرق وقرن أفريقيا، توسعت هذه الحركات بشكل كبير على مدار الأربعة عقود الماضية، وحققت معالم هامة في الإصلاحات القانونية، والتمثيل السياسي، وتمكين المرأة اقتصادياً، وزيادة الوعي بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. دفعت هذه الحركات نحو السياسات المتعلقة بالحقوق الإنجابية، والتعليم، والرعاية الصحية، مما أدى إلى نمو تدريجي. وعلى الرغم من أن هذا النمو - الذي تغذيه بشكل رئيسي التمويلات العابرة للحدود والخطاب العالمي حول حقوق المرأة - يستحق الاحتفاء، إلا أنه يتطلب التعامل مع تحديات كبيرة في المنطقة المهددة بالأزمات.


تواجه المنطقة مشهداً معقداً من الأزمات، مع الصراع، والعنف ضد النساء، والهجمات على الديمقراطية، وندرة الموارد التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والمنظمات التي تمثلهن. في العقد الماضي، وخصوصاً بعد جائحة كوفيد-19، واجهت المنظمات النسوية تحديات جديدة. حيث قاومت الحركات الشعبوية المحافظة ضد المساواة بين الجنسين، حتى أنها استقطبت أجندات نسوية. يتماشى هذا الاتجاه مع الأنماط العالمية لتقويض الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية، كما هو الحال في إثيوبيا، حيث تحد السياسات القمعية من الحريات الأساسية اللازمة للمناداة بالحقوق، مما يجعل من الصعب على الحركات النسوية الحفاظ على زخمها.

  

ونظرًا لهذه التحديات الكبيرة، من الضروري أن تطور الحركات النسوية استراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف يمكنها الصمود في وجه التحولات في المشهد الاجتماعي والسياسي في المنطقة. يستعرض هذا المقال مرونة واستراتيجيات الحركات النسوية في المناطق المعرضة للأزمات، مع التركيز على الحركة الصفراء في إثيوبيا لاستخلاص دروس حول كيفية التعامل مع تحديات مثل تقلص المساحات المدنية، وندرة الموارد، ومعارضة المساواة بين  الجنسين.

 

 إثيوبيا: من الإصلاح إلى القمع


في عام 2018، بدت إثيوبيا وكأنها على أعتاب الإصلاح الديمقراطي تحت قيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، مع توسيع الحقوق في حرية التعبير، وتعيين النساء في المناصب القيادية، وتقليص القيود المفروضة على التمويل الأجنبي والمنظمات الدولية، مما أشار إلى تحول نحو مزيد من الحرية للمجتمع المدني.

ومع ذلك، سرعان ما شوهت هذه البدايات الواعدة الممارسات الاستبدادية المستمرة وحقوق الإنسان المهدرة، التي تصاعدت في عام 2020 مع اندلاع الحرب بين الحكومة الفيدرالية والقوات الإقليمية في تيغراي. بين يوليو 2021 ويوليو 2022، أفادت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان بحدوث انتهاكات واسعة النطاق، وتدمير الممتلكات، واعتداءات جنسية على المدنيين من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.


المرونة في التصرف: دروس من الحركة الصفراء


في أكتوبر 2011، أثار الحادث المروع الذي تعرضت له "أبيراش هايلاي"، وهي مضيفة طيران تعرضت للطعن في عينيها على يد زوجها، غضباً واسعاً في إثيوبيا. أثارت قصتها مطالبات بالعدالة وتعهدات بتذكر اسمها كرمز للمقاومة ضد العنف. ومع ذلك، مع مرور الوقت، لاحظت مؤسسات الحركة الصفراء (YM) - اللاتي كم حينها طلاب قانون في جامعة أديس أبابا - أن ردود الفعل على العنف ضد النساء في إثيوبيا غالباً ما كانت قصيرة الأمد، حيث فشلت الاستجابة الجماعية في إحداث تغيير دائم. وفي مقابلة مع مجلة "مراجعة الاقتصاد السياسي الأفريقي" (ROAPE)، تحدثت هيلينا بيرهانو، المؤسسة المشاركة، عن الذي ألهمهم لتأسيس الحركة، قائلة: "لقد قررنا بدء محادثة مستمرة راغبين في جذب الانتباه إلى قضايا العنف ضد النساء في إثيوبيا. وقد تم استخدام اللون الأصفر بسبب التفاؤل الذي يرمز له هذا اللون، ولعملنا المرتكز على إمكانيات التغيير والتأثبر الإيجابي."


أُطلقت الحركة الصفراء كأول مبادرة طلابية غير رسمية في حرم جامعة أديس أبابا، وقد أمضت أكثر من عقد من الزمان في تعزيز المناقشات حول العنف ضد النساء، وحماية ودعم التنمية الشخصية للنساء الشابات، وتحفيز الشباب ليكونوا قوة للتغيير، مما جعلها حالة دراسية قيمة للحركات النسوية في الجنوب العالمي.

 

أحد الدروس الرئيسية من الحركة الصفراء هو التزامها بالتقاطع وقدرتها على بناء تحالفات منسقة ومدروسة. من خلال الأنشطة التوعوية مثل "أسبوع اللون الأصفر" الذي أُطلق لبناء شبكة مع النسويات الشابات، تمكنت الحركة من الحفاظ على زخمها وطول عمرها، مما يثبت أن تعزيز التضامن الحقيقي مع مجموعات متنوعة ومتوافقة أمر بالغ الأهمية لمرونة وتأثير الحركات النسوية على مستوى العالم.


درس آخر مهم من الحركة الصفراء وهو القوة الفريدة التي يمكن أن تجلبها الحركات غير الرسمية إلى المناصرة النسوية. عندما تم تقديم لوائح منظمات المجتمع المدني التقييدية في عام 2019، تم إغلاق العديد من المنظمات الرسمية العاملة في مجالات الحكم، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحل النزاعات، أو تعرضت للمضايقات بسبب انتهاك مزعومة للقوانين. ومع ذلك، باعتبارها حركة غير رسمية ومستقلة لا تنتمي للحكومة، تمكنت الحركة الصفراء من تجنب هذه القيود. خلال هذه الفترة، قادت الحركة مبادرات مؤثرة أظهرت قوتها، مثل حملة جمع التبرعات في عيد الحب التي جمعت الأموال من خلال بيع الزهور والشوكولاتة لتوفير فوط صحية للطالبات المحتاجات.


استخدمت منظمة Pagume Activism الشهر الثالث عشر في إثيوبيا لإدارة حملات رقمية ناجحة للعام الجديد، بينما شاركت موظفي الحرم الجامعي والطلاب في مناقشات يوم المائدة الأسبوعية حول قضايا النوع الاجتماعي. وعلى الرغم من أن التوترات السياسية الحالية أوقفت حضورها على الإنترنت، إلا أن هذه الجهود تُظهر كيف أن الهيكل غير الرسمي لمنظمة الحركة الصفراء يمكّن من التكيف الإبداعي مع ترك تأثير دائم.


بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد الحركات النسوية من تبني نموذج قيادة موزع وأقل هرمية. يُطلق عليه في كثير من الأحيان "نموذج بلا قائد"، حيث لا يقضي على القيادة بل يركز على تعدد القادة الذين يعملون عبر مساحات مختلفة ويعالجون احتياجات متنوعة. تتبنى الحركة الصفراء هيكلاً أفقياً لأنه يتماشى مع أساسها في النسوية الراديكالية، التي تنتقد الأنظمة الهرمية لأنها تعزز اختلالات القوة والإقصاء. لا يعكس هذا الهيكل التزامها بالتقاطعية فحسب - معالجة التمييز على أساس الجنس جنبًا إلى جنب مع أشكال أخرى مترابطة من القمع - بل يؤكد أيضًا على المسؤولية الجماعية والملكية المشتركة والمشاركة الحقيقية. وكما وصفت هيلينا ميسفين، عضو في الحركة الصفراء، "يؤدي [النموذج بلا قائد] إلى بيئة شاملة حيث يشعر الجميع بالتقدير والاحترام، لذا فإن الجو ترحيبي وداعم، مما يسمح لنا بالاتصال الشخصي، ومشاركة تجاربنا، والعمل معًا نحو هدف مشترك".

 

إن أحد الجوانب الأساسية التي غالباً ما يتم إهمالها في تعزيز الحركات النسوية هو الرعاية باعتبارها أخلاقيات تنظيمية. لقد ظهرت الرعاية والرفاهية كركائز مركزية في بناء الحركات المرنة، مؤكدةً أن الدعم العاطفي والجسدي أساسيان لاستدامة المقاومة النسوية. لقد أعادت النسويات تعريف الرعاية منذ وقت طويل، ليس كمسألة ثانوية أو خاصة، ولكن كجزء حيوي من العمل الجماعي.


استناداً إلى هذه الفكرة، تلتزم الحركة الصفراء بضمان الرعاية والرفاهية لأعضائها. ينعكس هذا الالتزام في المعتكف السنوي التي يعطي الأولوية لأنشطة العناية الذاتية مثل اليوغا وتمارين التنفس، مما يخلق مساحة للأعضاء لإعادة شحن طاقتهم والتأمل. خلال الاجتماعات الشهرية، يتم تخصيص وقت للتحديثات الشخصية، وتعزيز المحادثات المفتوحة وتوفير مساحة لدعم بعضهم البعض. كما تروج الحركة الصفراء بنشاط لطرق صحية لإدارة التوتر، مثل الكتابة اليوميات، من خلال توفير دفاتر وكتيبات للأعضاء الجدد لمساعدتهم في بناء ثقافة اليقظة الذهنية. يتم تشجيع الأعضاء على التواصل بلطف وانفتاح، مما يضمن بيئة داعمة. وإذا شعر الأعضاء بالتعب أو الإرهاق، تشجعهم الحركة على أخذ وقت للراحة وإعادة شحن طاقتهم دون قلق.


جلسة يوغا خلال المعتكف السنوي للحركة الصفراء


الخطوات القادمة


من خلال دراسة الحركة الصفراء، يستعرض هذا المقال كيف تجمع الحركة بين استراتيجيات تشمل الرعاية الشاملة، الاستجابة السريعة، والشمولية في الإغاثة، وتعبئة التضامن، ومراكز المجتمع لمواجهة الأزمات والتكيف معها، وهي أساليب مبتكرة تساهم في تحقيق تأثير دائم. ومع ذلك، لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.


للحركات النسوية:


نظرًا للاعتماد على التمويل الخارجي الذي يهدد بقاء الحركات في أوقات الأزمات، هناك حاجة لابتكار نماذج تمويل مستدامة. يمكن أن يكون التعاون مع القطاع الخاص أحد الحلول الفعالة. غالباً ما تتماشى أهداف المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) مع المبادرات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، مما يخلق فرصًا للتعاون. وهذا هو حال منظمة أكيلي دادا الكينية، التي نجحت في توفير المنح الدراسية والتدريب على القيادة للشابات من خلال الشراكة مع التعاونيات التي تدعم أهداف المسؤولية الاجتماعية للشركات الخاصة بها تعليم وتمكين المرأة.


يجب أن تعمل الحركات أيضاً على تنويع مصادر دخلها من خلال المشاريع الاجتماعية والتمويل المجتمعي، وهي أنشطة تولد دخلاً بينما تعزز في الوقت نفسه أهداف الحركة. مثال على ذلك هو مبيعات الزهور في عيد الحب التي نظمتها الحركة الصفراء، حيث جمعت بين المناصرة وتحقيق الإيرادات.


يعد تأسيس الأوقاف أو الصناديق النسوية استراتيجية رئيسية أخرى لضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل. من خلال بناء الأوقاف بدعم من المنظمات الخيرية أو المتبرعين من القطاع الخاص، يمكن للحركات النسوية إنشاء مصادر دخل موثوقة لتمويل المبادرات المستمرة.


مستقبلاً، يجب على الحركات الاستفادة من المنصات الرقمية لتوسيع نطاق وصولها وتعبئة الموارد. خلال ثورة 2019، لعبت التعبئة الرقمية للنساء السودانيات دوراً محورياً في الإطاحة بعمر البشير، مما منح النساء السودانيات رؤية عالمية وحشد الدعم العالمي لقضيتهم. من خلال دمج الدعوة عبر الإنترنت مع حملات جمع التبرعات، يمكن للحركات تعزيز نطاقها وظهورها.


أخيرًا، بغض النظر عن الهيكل التنظيمي، تحتاج الحركات النسوية إلى الاستثمار في تنمية المواهب الشابة وتعزيز القيادة النسائية الشابة داخل منظماتها. إن التركيز على تطوير القيادة أمر أساسي لإنشاء خطط خلافة قابلة للتنفيذ تضمن الاستدامة.


لصناع السياسات:

في نهاية المطاف، لضمان تأثير طويل الأمد، تحتاج الحركات النسوية أيضاً إلى حضور كبير في الفضاءات السياسية والسياسات الرسمية. بينما يُعد النشاط المجتمعي والمنصات الرقمية أمراً حيوياً، فإن الحصول على "مقعد على الطاولة" في مناقشات السياسات يساعد على حماية المكاسب التي حققتها المدافعات عن حقوق النساء وتعزيزها. إن هذا الحضور ضروري لمواجهة ردود الفعل المعاكسة ضد المساواة بين الجنسين ولضمان أن تعكس الأجندات السياسية المبادئ النسوية. يتطلب فضاء المناصرة توازناً: الحركات مثل الحركة الصفراء، التي تركز على التنظيم المجتمعي، تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على الاستقلالية وتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال التعليم والنشاط. في الوقت نفسه، يجب على المبادرات الأخرى أن تعطي الأولوية للتفاعل مع الفضاءات السياسية والضغط من أجل التغيير داخل المؤسسات الرسمية. إن الوجود الظاهر والفعال في الفضاءات الرسمية سيمكن الحركات النسوية من تحدي محاولات التراجع، ودعم المكاسب السياسية الشاملة بين الجنسين، ودفع الإصلاحات التي تحافظ على التركيز على العدالة والمساواة.


منيرة كاونيكا

منيرة صانعة محتوى ماهرة في سرد ​​القصص المكتوبة والمسموعة والمرئية. بدأت بمدونة تتناول القضايا الاجتماعية والثقافية التي يواجهها الشباب المسلمون، ثم عملت لحسابها الخاص في مشاريع مثل مهرجان زفاف زنجبار. بعد ذلك إطلقت بودكاست خاص بها بعد أن صقلت مهاراتها من خلال ورشة راديو في جنوب أفريقيا. تستكشف منيرة الآن إنشاء مقاطع الفيديو على تيك توك، وتجلب شغفاً بالقصص الملهمة وتهدف إلى إنشاء محتوى هادف يضخم الأصوات والسرديات الأفريقية. بيسيلوت كيفيلغن صالح هي ناشطة في مجال المساواة بين الجنسين، وباحثة نسوية، ومحللة سياسات مقرها في أديس أبابا، إثيوبيا. تحمل خلفية في القانون والمالية، وهي ملتزمة بشدة بتعزيز القضايا النسوية، ودمج الشباب، وبناء الحركات الاجتماعية. قادت بيسيلوت برامج تنسيق المشاريع الإقليمية وأجرت أبحاثًا نوعية حول حقوق الفتيات والشابات وحقوق المرأة بشكل عام، بما في ذلك الدراسات التي تقودها الفتيات في مشروع "She Leads". كما تقدم تدريبًا للمهنيات من النساء لتطبيق منظور النوع الاجتماعي في عملهن. بالإضافة إلى ذلك، شكلت استراتيجيات البرامج كعضو في مجلس المستشارين العالمي لمشروع "She Leads".