تحذير وإخلاء المسؤولية: المحتوى الذي أنت على وشك قراءته يحتوي على تجارب مصورة وحساسة لحرب السودان. تعكس الآراء الواردة في هذه المقالة آراء المؤلف فقط وليس آراء أندريا. ننصح القارئ بالتقدير وحرية الإختيار. اقرأ إشعارنا التحريري الكامل هنا
تروي إفادة الشاهد هذه الرحلة المروعة التي خاضتها مريم*، وهي أم تعيش في جنوب دارفور بالسودان، والتي خاطرت بكل شيء لإحضار طفلها المريض إلى مستشفى في نيالا. وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها، إلا أن إصرار مريم انتصر. وتسلط هذه الرواية الشخصية الضوء على مرونة الروح الإنسانية والدور الحاسم الذي تلعبه المنظمات الطبية الإنسانية مثل أطباء بلا حدود في توفير الرعاية الأساسية في المناطق التي مزقتها الصراعات.
يروي د. أحمد سعيدات:
"إصرار "مريم" سيبقى دائما في ذاكرتي. كان طفلها هزيلاً، بالكاد يتمسك بالحياة عندما وصلت إلى مستشفانا في نيالا، جنوب دارفور، في السودان. ورغم كل العقبات — وغياب زوجها وشكوك عائلتها والأميال الطويلة من الطرق الخطرة — أحضرت طفلها إلينا. قالت لها والدتها: "لديكِ خمسة أطفال بالفعل؛ لماذا تخاطرين بكل شيء من أجل طفل قد لا ينجو؟" لكن مريم رفضت الاستسلام.
وعندما وصلت إلينا أخيرًا، كان الطفل على حافة الموت. عمل زملائي لمدة ساعتين شاقتين لإعادة إنعاشه. حيث كانت واحدة من تلك اللحظات التي تشعر فيها أن الأمل بحد ذاته عملٌ من أعمال التحدي. وبمعجزة، نجا الطفل، ونجت مريم أيضًا. بالنسبة لنا، لم يكن هذا مجرد انتصار طبي؛ بل كانت شهادة على الصمود الإنساني — صمودها وصمود الفريق.
عملتُ كمدير للأنشطة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في نيالا، ثاني أكبر مدينة في السودان، حيث كنا نركز بشكل رئيسي على مستشفى نيالا التعليمي. هذا المستشفى، الذي كان يومًا ركيزةً للرعاية الصحية، تعرض لدمار شديد بسبب الصراع الأخير. وكانت مهمتنا هي إعادة إحياء ثلاثة أقسام: الأطفال، والأمومة، والطوارئ.
لم يكن العمل سهلاً. عالجنا مئات المرضى يوميًا في مستشفى يعاني من انقطاع الكهرباء المتكرر، وغياب خدمات الأشعة، وخدمات المختبر المحدودة. كانت الإمدادات شحيحة حيث حوّلت موسم الأمطار كل طريق إلى تحدٍ كبير. خلال فترة وجودي هناك، جرفت الأمطار جسرين حيويين مما أدى إلى عرقلة الشاحنات المحملة بالإمدادات الطبية. وفي لحظة سريالية، اضطررنا إلى استخدام القوارب لنقل المعدات عبر الأنهار التي غمرتها المياه. ورغم ذلك، أذهلتني براعة المجتمع المحلي — حيث صنعوا حبالًا لنقل البضائع وحتى الأطفال عبر تلك الأنهار.
كانت الظروف التي يواجها الناس هناك تكاد تكون غير قابلة للتصور. كان العنف حاضرًا دائمًا سواء من النزاعات المسلحة أو الفوضى التي تركت الناس عرضة للسرقة والاعتداء. وإلى جانب ذلك، جلبت الأمطار الموسمية موجات من الملاريا، والأمراض كالإسهال وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال. وكان الأطفال يأتون إلينا واحدًا تلو الآخر بحالات متقدمة، وأجسادهم الصغيرة منهكة بسبب أمراض يمكن الوقاية منها لكنها أصبحت مميتة بسبب التأخير في الوصول إلى الرعاية.
واجهت النساء الحوامل تحديات فريدة. كانت الرعاية الطارئة للأمومة مجانية في مستشفانا، لكن غياب خدمات ما قبل الولادة أدى إلى اكتشاف المضاعفات في وقت متأخر جدًا. رأينا العديد من حالات تعفن الدم للأمهات والمواليد، وهو واقع قاتم في مستشفى مدمر حيث كانت الظروف المعقمة صعبة التحقيق. ومع ذلك، واصلنا العمل، وأجرينا العمليات الجراحية في ظروف أقل من مثالية، ودربنا الطاقم المحلي لضمان حصول كل امرأة وطفل على فرصة للبقاء على قيد الحياة.
بالنسبة لكل مريض مثل مريم وطفلها، كان هناك العديد ممن لم نتمكن من إنقاذهم. تلك هي القصص التي تطاردك. عائلات لم تستطع تحمل تكلفة النقل إلى مرافق مجهزة بشكل أفضل. رجل أصيب بعيار ناري تم استقراره في قسم الطوارئ لدينا، لكنه واجه تكاليف كارثية في المستشفى التالي. أطفال فقدناهم بسبب نقص الموارد لعلاج الأمراض المزمنة. كانت تلك اللحظات قاسية، لكنها أبرزت سبب أهمية وجود منظمة أطباء بلا حدود. بدون الفريق، لم يكن العديد من المرضى ليحصلوا على فرصتهم الأولى للبقاء على قيد الحياة.
زملاؤنا كانوا استثنائيين. وكان بإمكان العديد من أطباء والممرضين المغادرة للبحث عن فرص أكثر أمانًا، لكنهم بقوا بدافع الواجب حيث تعرضوا لمآسٍ شخصية، لكنهم كانوا يأتون كل يوم لخدمة مجتمعهم.
جنوب دارفور في السودان هو ما وصفه البعض بـ"صحراء إنسانية"، منطقة تخلت عنها إلى حد كبير المنظمات الدولية بسبب تقلب الأوضاع. ولكن منظمة أطباء بلا حدود كانت واحدة من القلائل التي استمرت في العمل هناك، وقدراتها اللوجستية سمحت لنا بالوصول إلى أماكن لم يتمكن الآخرون من الوصول إليها. بينما كافحت الوكالات الأخرى لعبور الشاحنات الحدودية، وجدنا طرقًا — أحيانًا غير تقليدية — لتوصيل ما هو مطلوب.
يستحق شعب السودان أكثر بكثير مما يقدمه لهم العالم. إنهم يستحقون رعاية صحية مستمرة وعالية الجودة، خالية من ظلال العنف والإهمال. كل حياة أنقذناها وكل أم واسيناها وكل طفل عالجناه كان خطوة نحو إظهار أن العالم لم ينسهم تمامًا.
قصة مريم تذكير لسبب وجودنا هناك. من السهل أن تشعر بالإرهاق من حجم الأزمة، لكن في لحظات كهذه، عندما يتحد أمل الأم وإصرار الفريق لتحدي المستحيل، تدرك أهمية ما نقوم به. حيث تذهب منظمة أطباء بلا حدود إلى أماكن لا يذهب إليها الآخرون، ليس لأنها سهلة، بل لأن أشخاصًا مثل مريم وطفلها يستحقون فرصة للحياة."
*تم تغيير الأسماء.
الصور لمنظمة أطباء بلا حدود بموافقة المرضى.