هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

واحدة من أكثر الممارسات التي تميز مجتمعنا السوداني هي التواصل الإجتماعي بين أفراده، من المهم لنا كسودانيين زيارة كبار السن والمرضى، حضور الجنازات، والتضامن مع الناس في الحزن. تتضمن عاداتنا السلام بالأيدي، العناق، وجلوس الناس مع بعضهم لمشاركة الطعام، الشاي والقهوة، والتحدث في مجموعات. في الظروف الطبيعية، يجتمع مئات الرجال في مناسبات كالجنازات لحضور مراسم الدفن في المقابر، والنساء كذلك يزورون العائلة المُبتَلية لتقديم واجب العزاء، يمنح المعزون تعاطفهم والدعم النفسي للعائلة، ويساعدون في تحضير الطعام والمشروبات. في العادة يستمر هذا الأمر ما بين 1 – 7 أيام، ويختلف من عائلة لأخرى، وفي اليوم الآخير يتم عمل صدقة لروح المتوفى، حيث يحضر الطعام ويقدم للفقراء والمحتاجين. منعت الجنازات بعد فرض الحظر المنزلي، ، واتجه الناس بالمقابل لاستخدام الهواتف ومنصات السوشال ميديا لتقديم واجب العزاء، ربما لهذا الأمر تأثيرات سلبية على تقبل الأفراد للفاجعة وعلى صحتهم النفسية، حيث أن البكاء يخرج الكثير من الطاقة السلبية التي يستشعرها المرء عند فقدانه لشخص عزيز عليه.

undefined

Image via azzaelsudan.blogspot.com 

منعت السلطات كل التجمعات على إثر إرتفاع عدد الإصابات يومياً، ويتمثل الخطر في إلتقاط العدوى من مثل هذه المناسبات بسبب عدد الناس الضخم الذي يحضرها، ونتيجة لذلك فربما من الصعب بالنسبة لأسرة المتوفي تجاوز هذا الحزن لوحدهم بدون أي دعم إجتماعي. وتتطلب منا الفترة الحالية تطوير مهارت تواصلنا وخلق حلول عملية لاستمرار علاقاتنا، في سبيل منح التعاطف والحزن وتقديم هذه المشاعر لبعضنا البعض من خلال هذه الوسائل المبتكرة.

إضافة لذلك، فإن من المهم جداً للرجال في السودان حضور العَقد – طقس الزواج الإسلامي – الذي يقام في المسجد أو في البيت، وأيضاً حضور وليمة الزواج و الحفل الذي يأتي إليه كل من الرجال والنساء. تعكس هذه المناسبات التماسك الاجتماعي، حيث يدفع الناس المال لمساعدة الأسر لتقديم واجب العزاء وأيضاً الدعم المعنوي، وكذلك يشارك الناس بتقديم المال كهدية في مناسبات الزواج.

من المخجل عدم تلبية دعوة زواج أو عدم زيارة الناس في أوقات حزنهم. وللأسف أن هذه الممارسات الاجتماعية بصرف النظر عن الدعم المالي، أصبحت خطرة جداً في هذا الوقت، حيث يوصي العالم كله بضرورة التباعد الاجتماعي، البقاء في المنزل، ومغادرته من أجل الضروريات فقط. ولهذا الأمر صعوبة مضاعفة خاصة مع رمضان، والذي يعتبر موسم الزيارات الأسرية، الإفطارت الجماعية، وبالطبع صلاة التراويح. وتذمر الناس على منصات السوشال ميديا عن صعوبة واختلاف شعورهم إتجاه رمضان هذا العام. وعن إفتقداهم للإفطارات الجماعية والإلتقاء معاً. واستعاضوا من جانب آخر بوسائل مختلفة، مثل لعب الليدو والدومينو جماعياً، وألعاب أخرى عن طريق الإنترنت، و إجراء مكالمات جماعية على تطبيق هاوس بارتي وتطبيقات أخرى. وصرح كثير من الناس أنه بدون توفر هذه التكنولوجيا التي تسمح لهم بالتواصل مع أصدقائهم وأحبائهم، فإنه لم يكن بمقدورهم تجاوز هذه الفترة، وكلنا نتساءل عما سيكون عليه الوباء في حال غياب هذه التكنولوجيا التي تسمح لنا بالمحافظة على تواصلنا.

undefined

Image via sudanway.com 

من الجيد أن الناس بدأوا في التعامل مع الوباء بصورة جادة، التوعية بخطورة هذه الممارسات الاجتماعية يزداد، وأيضاً يلتزم الناس بتوجيهات وزارة الصحة الإتحادية بدرجة معقولة بعد زيادات مهولة في أعداد الإصابات على مدار الأسابيع الماضية. على سبيل المثال؛ كان لدينا عدد من الوفيات ضمن عائلتنا في الأسابيع القليلة الماضية قبل بداية الحظر، واختارت عائلتي مهاتفة أهل المتوفين لتقديم التعزية بدلاً عن زيارتهم في المنزل. أيضاً من خلال ما نشاهده ونقرأه على السوشال ميديا فإن عدد أكبر من الناس يستخدمون التكنولوجيا للتواصل مع أحبائهم، لتقديم تعاطفهم، أو التعبير عن سعادتهم، الأمر الذي يمكن إعتباره عهداً جديداً في الممارسات الاجتماعية في السودان.

وهنا ثلاث إقتراحات مبتكرة للتواصل مع الأهل و الأصدقاء:

- ليلة سينمائية عبر مكالمات الفيديو: ابدأوا مكالمة فيديو جماعية وشاهدوا فلماً مع بعضكم، واستمتعوا بالرفقة من على بعد.

- اصنعوا قوائم موسيقى على سبوتِفي، أنغامي أو ساوندكلاود وشاركوا موسيقاكم مع أصدقائكم وأحباءكم.

- نادي كتاب عبر الإنترنت: لتكن البداية مع أصدقائكم حيث تقرأون الكتب معاً وتعقدون جلسات نقاش أسبوعياً أو شهرياً عبر مكالمات الفيديو أو الهاتف.

من الضروري جداً توفير الدعم النفسي للذين يحتاجونه، سواء كانوا يمرون بأوقات عصيبة أو الذين يعانون من مشاكل نفسية، وهذا ممكن عبر وسائل التواصل مثل المكالمات الهاتفية، الرسائل النصية، رسائل الواتساب وبرامج المراسلة الأخرى، وأيضاً مكالمات الفيديو. علينا تقديم الدعم النفسي لبعضنا البعض، فكلنا في حاجة إليه لتجاوز هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البشرية، لذا فلنتواصل ولنتفقد بعضنا من وقت لآخر.


ثريا صالح

ثريا صالح (1998)، ولدت ونشأت في أم درمان حتى مايو 2023، كاتبة علمت نفسها بنفسها، بدأت بنشر أعمالها عام 2019 في مجلة 500WordsMag وفي عام 2020 في مجلة أندريا. إنها مهتمة بالتقاطع بين الفنون والثقافة والموضوعات الاجتماعية والسياسية مثل الهوية والنسوية، وتشترك معظم كتاباتها في موضوعات تتمحور حول الشباب. أصبحت مؤخرًا محررة في مجلة أندريا.