هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

لأكثر من أربعين عاماً لم تتمكن القصة القصيرة في جنوب السودان، قبل وبعد الإستقلال، من تجاوز أسئلة الواقع الشائكة. فظلت تفاصيل الواقع، بكل تجلياتها، شأناً ملهماً بالنسبة لكل الذين آسروا إختيار القصة القصيرة طريقاً للإبداع والإبتداع.

ساهمت عوامل عديدة في تقييد مساحات شهرة كُتاب القصة في جنوب السودان، من ضمنها الحرب وحالة النزوح واللجوء، بالإضافة إلى ضيق المساحات على نحو متعمد أو خلافه في وسائل الإعلام المتعددة. إلى أن جاءت إتفاقية أديس أبابا التي أوقفت حرباً أهلية كانت دائرة منذ العام 1955م وحتى العام 1972م. دفعت سنوات الإستقرار السياسي والأمني في تلك الفترة (التي إمتدت حتى العام 1983م) إلى إحداث حراك ثقافي كبير، دفع إلى بروز أسماء مهمة في الفضاء الذي يُشكّل خارطة القصة القصيرة في جنوب السودان. ورافقت تلك الأسماء مساهمات إبداعية ظلت تهيمن على الذاكرة رغم مرور نحو أكثر من أربعين عاماً أو أقل على ظهورها. فظهرت كتابات مميزة كقصة “عودة العاصفة” للصحفي جاكوب أكول، و”زواج نابوري” للقاصة والسياسية أقنيس لوكودو، و”عودة الخالة الصغرى” لمايكل كينيستون، وقصص أخرى للبروفيسور تعبان لوليونق، الذي صبَّ جل إهتمامه في الفترة الأخيرة على الرواية والشعر. وكذلك لا يمكن بأية حال من الأحوال نسيان التجربة الفريدة والراسخة للأستاذ جوناثان ميان، الذي إستفاد من الحكاية الشعبية ليؤرخ لأكثر الأعمال القصصية شهرة، وهي قصة “محاكمة السمكة الكُبرى”. تمت مسرحتها لاحقاً لتصبح مسرحية خالدة، قام بإخراجها الأستاذ السماني لوال، ونفس القصة تمت إذاعتها من قبل إذاعة كولون الألمانية منتصف السبعينات. بالإضافة إلى قصة “المكيدة” للأستاذة أقنيس لوكودو، والتي أصبحت أيضا أول إمرأة تتقلد منصب حاكم ولاية (كانت تُعرف بأنها والية لولاية بحرالجبل)، وكذلك “حيتان” للصحفي ونائب وزير الإعلام السابق، أتيم ياك أتيم.

تميزت تلك القصص بأنها ظلت تتناول الوقائع الإجتماعية على نحو فريد، بتقنية السرد التي إحتفظت بتفاصيل طرق حكي الحكاية الشعبية المتجذرة في المجتمعات التي ينتمي إليها كتابها. ولكن كان الأمر المؤسف هو أن كل هؤلاء، عدا تعبان لوليونق، لم يواصلوا تلك المسيرة من أجل إصدار مجموعات قصصية تصبح في متناول اليد. فظلت أعمالهم مُقسمَّة في إصدارات ونشرات إعلامية. وعقب إندلاع الحرب مجدداً، في العام 1983م، شغلت الهموم العامة أغلب هؤلاء، فإختار بعضهم دوروب سياسية وإعلامية وأكاديمية ومجالات أخرى مختلفة. إلى أن شهدت الفترة التي أعقبت عام 2002م وحتى الآن أعمالا مطبوعة للطالبة بكلية الصيدلة جامعة الخرطوم إستيلا قايتانو عبر “زهور ذابلة”، ثم جون أوريليو “إضاءات على جسد الموت”، وأرثر غابريل ياك “لا يهُم فأنت من هناك”. 

العودةالآن تأتي الصيدلانية إستيلا قايتانوعبر عمل إبداعي جديد بعنوان (العودة)، حاملة معها صفة أول إمرأة تنتج مجموعة إبداعية باللغة العربية في جنوب السودان، الدولة التي نالت إستقلالها في العام 2011م. وإن لم تخني الذاكرة، فقايتانوتعدُّ أيضاً أول إمرأة تملك مجموعة قصصية في كل البلاد، ذلك إذا وضعنا في الإعتبار تجربة مماثلة لإحدي بنات السياسي المُخضرم جوزيف لاقو، والتي كانت عبارة عن مجموعة من الحكايات الشعبية التي وثقتها وطبعتها دار نشر لندنية.

في هذه السانحة، ستحاول هذه الدراسة تقديم عرض عام للمجموعة القصصية الجديدة للقاصة إستيلا قايتانو، والتي جاءت بعنوان “العودة”. سيتم التحليل عبر تناول يقوم على المقاربة والتحليل بين بعض القصص المنشورة في المجموعة مع أسئلة الواقع الشائكة، في محاولة لإستقراء ما ورد في متنون المجموعة، التي صدرت عن دار “رفيقي” للطباعة والنشر. وتضم المجموعة، التي جاءت في (77) صفحة، نحو ثمانية قصص، أغلبها ينشر لأول مرة بإستثناء نص “بحيرة بحجم ثمرة باباي”، والذي كان قد نُشر من قبل في مجموعة (زهور ذابلة) التي أصدرتها (نجمة الصباح)، أو هكذا يعني إسم (إستيلا قيتانو) وذلك في العام 2004م عن دار عزة، إحدى أشهر دور الطباعة والنشر في الخرطوم. تضم مجموعة “العودة” القصص التالية بحسب الترتيب (عبق مهن، أمي أنا خائفة، نصف جثة.. كاملة، أقتل نفسي وأختفي، بحيرة بحجم ثمرة باباي، العودة، الهروب من الراتب، كوستي).

الملامح العامة لهذه المجموعة تؤكد أن قايتانوإمتلكت كافة تفاصيل الكتابة المعرفية والقص. بالإمكان التدقيق في السرد المعمول به في قصص القاصة المُبدعة وملاحظة جوانب الإشراق عندها، والتي دفعتها في أغلب القصص الواردة في المجموعة إلى إبراز أحداث القصص في صور مذهلة لما يدور على ساحة الواقع. وتتدخل هذه الأحداث أكثر فأكثر في الحالة الوصفية للقصص، ما يدفع بالقاص إلى إبتكار الصور الرائعة التي تدخل في قلب المنطقة المخصصة للسرد. ولم يكن الأمر إعتباطياً عند القاصة إستيلا قايتانو في مجموعتها القصصية الجديدة، فهي لم تكن تحاول فقط رسم أحرف على جدار التداعيات التي حدثت في عمق تفاصيل الحياة اليومية داخل الوطن المعنون جغرافياً باسم “جنوب السودان”، ولم تكن تريد أن تعبث، ولكنها صممت على إخراج تلك التفاصيل، التي هي جزء من راهن الأزمة ودفاتر وقائعها، مستخدمة تقنيتها المُعتادة في تلك الزهور التي ذبُلت في “العودة”، عبر تقنيات لم تكن مختلفة جداً عن كتاباتها السابقة. فهنالك دقة في نسج القصة، بإدراكٍ لكل الأشياء والحقائق الواقعية المفجعة، بتفاصيل لم تكن خالية من الأمل أيضاً. كل هذا يتمُّ في تضارب لمواقف الشخصيات في لحظة واحدة، لتُجسد إحدى المقولات الشهيرة التي تتحدث عن الصورة بوصفها فكراً خلاقاً لا يمكن أن تنبثق عن المقارنة؛ بل عن التقريب بين حقائق متباعدة في الكثير والقليل.

undefined

Source: Goodreads.com

في المجموعة القصصية، حرصت قايتانوعلى إمتلاك عنان السرد بكافة تفاصيل التوتر والقلق والدهشة والإحساس بالإضافة إلى التوقع. حيث يمكن للقارئ تخيُّل كيف يمكن للأحداث أن تتحرك أو للشخوص أن تتحرك بوتيرة مُتخيَّلة من قبل القارئ. ولكنها في نهاية المطاف، وعبر تقنية السرد، تجعل الأحداث والشخصيات تسير في طريق مخالف تماماً لكل توقعات القاريء. هذا ما كان متجسداً بشكل عميق في قصة “عبق مهن”، والتي إستطاعت فيها أن تقتل الشخصيات، التي بنتها سابقاً، في حادثة لم تكن متوقعة، وبحدث واقعي كان له تأثير على إحداث الكثير من المتغيرات على الحياة الاجتماعية والسياسية في العام 2005م. لم تحدد قايتانوالزمان، ولكن الحدث المذكور كان كفيلاً بالتعرف على ذاك الزمان الذي حدث فيه سقوط الطائرة التي كانت تقلُّ زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، دكتور جون قرنق. كل هذا بتلاصق تام مع المكان، جسر الإنقاذ، حيث ترحل شخصيات القصة إلى عوالم أخرى بعد أن كانت جثثها تطفو على نهر النيل. تقنية السرد هنا تتمرد على الصور والمناظر التي ينشغل بها وعي المتابع لتفاصيل القصة، ولكن بوعي متعمد يدرك السرد الموقف القائم ويتعامل معه عبر تحليل عوالم تلك الشخصيات وإزاحتها في آخر لحظة إلى عوالمٍ أخرى، حيث تتحول عملية متابعة ورصد الحدث إلى تحقيق وتساؤلات حول الدوافع التي دفعت إلى تحول مصير هذه الشخصيات إلى واقعٍ آخر مختلف و غير متوقع.

كانت هذه الشخصيات متنوعة الإتجاهات الجغرافية، فهنالك أبَّكر الذي يتصبب عرقاً وزيتاً وتفوح منه رائحة البنزين والجازولين. وحاجة آمنة التي لم تحج من قبل وتفوح منها رائحة الكسرة والكول، ثم نافوني التي تُرسل لها الأسماك الجافة المُملَّحة من الجنوب. وتيَّة العتالي القصير والمفتول العضلات الذي يكاد لا يكفَّ عن الغناء لزنوبة حبيبته التاريخية، وسميرة التي حوَّلت وجهها إلى معركة عنيفة بين لونها الأسمر ومساحيق تفتيح البشرة الرخيصة الفاسدة. ودانيال بشلوخه العظيمة المنحوتة على جبينه، ثم رمضان الأفندي والدرويش الفقير، ورامبو كمساري البص الخرب المنتهي الصلاحية. حيث تدور كل تفاصيل القصة داخل هذه المركبة المنتهية الصلاحية، والتي يُظهر فيها سائقها وجهه من خلال نافذة صغيرة. كل هؤلاء، كان الحزن يعتصر قلوبهم;

“عندما سمعوا بموت الزعيم المفاجئ. قالوا أن طائرة كانت تقله إصطدمت بالجبال أثناء عاصفة رعدية. كان البص الشائخ يضمهم بحنو، كأنه يواسيهم. وكان يَلُّفهم صمتٌ قاسٍ وغضب. يعتمل في الدواخل، وكل واحد منهم كان يستمع إلى صوت الزعيم المحبوب يتردد في الفراغ”1

يعيد نص “عبق مهن” الماضي الذي لا يمكن أن ينساه هؤلاء الذين شهدوا كيف كانت الفاجعة مؤلمة بالنسبة لهم بعد وفاة الزعيم، دون إيراد التفاصيل التي سيطرت على الوضع حينما تم الإعلان عن إختفاء الطائرة. ولكن يمكن تخيُّل تلك المشاهد الغائبة في ذاك الواقع، الذي ينتهي بحادثة وفَّرت لشخصيات القصة أن تنتهي حياتها دون إكمال بقيَّة التفاصيل والتراجيديا السياسية التي أعقبت موت الزعيم، بعد أن كانوا قد شرعوا في الحلم دون كابح.

“أصبح البص يترنح بهم يُمنة ويُسرى، وهم لا يعلمون أن قلب السائق قد توقف تماماً قبيل لحظات، إثر نوبة مفاجئة، والبص يجري وحده إلى أن قفز بهم من فوق الجسر نحو صفحة المياه الهادئة، إلا من ضجيج غرقهم الجماعي.” 2

الموت هنا واقع وجودي يجب معايشته، ولكنه بالنسبة للقاصة فرصة كي تجد شخصياتها الخلاص من الواقع النفسي والاقتصادي بعد رحيل الزعيم المحبوب، الذي كان سيجلب لهم الحقوق ويحقق آمال شعب. هكذا تختم قايتانونصها، الذي إمتاز بضروب مدهشة، متنوعة ومتناسقة بإحكام من التقنيات السردية. 

تقدُّم قايتانو عبر القصص التالية “العودة”، “الهروب من المرتب”، “كوستي”، تحليلاً للعوالم اليومية، التي تعيشها شخوصها، بروح واقعية دون التخلي عن جدليَّة المعرفة وإستدراك المعاني التي تُريح تركيب الحدث الحقيقي وتجدده عبر رصد علاقاته. ففي قصة “الهروب من المرتب”، تتحدث قايتانوبغضب عن وقائع الفساد التي شلَّت المؤسسات العامة في البلاد بتفاصيل غاضبة ومفجعة، ولكن بنهاية لم تكن متوقعة. فترصد الشخص الذي أتى من العالم الأول هرباً من الراتب الذي يتحصل عليه شهرياً دون مجهود، حيث لم يتقدم بشهاداته الأكاديمية أو المهنية، ليجد أن الوزراة التي عُيّن فيها مليئة بموظفين هم في الأساس أسرته وعشيرته. فيرى الفاسدون ينشرون سمومهم بين الجميع وفي المؤسسات الحكومية الحديثة التكوين بعد الإستقلال. إنها إحدى الفواجع التي لا يمكن إخفاؤها.

يُلاحظُ هنا التناقضات بين شعارات الثوَّار السابقين والحاكمين اليوم. فكان السرد في هذه القصة مٌحكما ومترعاً بكل تفاصيل الأحداث الواردة في القصة، حتى يعرف القاريء أن القاصة تنسج كل التفاصيل بشكل دقيق. فالسرد يبدأ من منظر المطار البائس إلى وصول المرتب للشخصية المحورية في القصة وحتى لحظة عودته إلى وطنه البديل. وبين الحدثين وقائع وسرد ناقل للإحساس ضمن منظومة الزمكانية (الزمان والمكان) في عمقه الماضي، حيث كان يناضل الثوار من أجل الديمقراطية والشفافية والحاضر كزمان مستقل، حيث الفساد والمحسوبية. وزمن آخر يتمثل في سرد التفاصيل والوقائع، وهو ما يمكن أن نطلق عليه (زمن الإيقاع السردي)، حيث تتنوع الأحداث بتكاثف في زمن السرد، وتتعدد بقدر حركة الشخصيات في زمن النص السردي بصوت الراوي وأصوات شخصيات أخرى تكشف عن مشهد إجتماعي لم يكن الراوي في وضع نفسي لمواجهته. وهكذا تتحدث “أهدي إليَّ أبي سيارة فاخرة. جاء أحد أعمامي بحاشية من الحرس وأهداني وظيفة. ولما شكرته وإتجهت لأجلب له شهاداتي إستوقفني بحزم: – شهادات ماذا.. نحن شهاداتك، وإسم والدك أقوى من كل أسماء الكليات التي درست فيها! – ثم إبتسم إبتسامة هزءة مُصفرة، وأردف، ضارباً بكفه على صدره، فارداً أصابعه الخمسة السمينة المختنقة بعدد هائل من الخواتم الذهبية: – ألا تعلم بأننا مناضلون؟! فقط تعال غدا وتسلم وظيفتك.” 3

هكذا تترسم ملامح الإستياء والغضب التي لاتزال سائدة. المتغيرات السياسية التي حدثت، وتحدث الآن، فتحت السيبل نحو إنتشار الفساد والمحسوبية. إنه تعبيرٌ مؤلمٌ وغاضبٌ لقصص التراجع عن الشعارات والأهداف النضالية التي ظلت مرفوعة طوال أكثر من عشرين عاماً من النضال. ولأول مرة تطرح قايتانوفي كتاباتها مواقف سياسية مُعلنة لم نكن نراها بشكلها الصريح في كتاباتها المتعددة والمتنوعة.

ولا تقف الأسئلة المتعلقة بالواقع السياسي لدى القاصة إستيلا قايتانوعند هذا الحد، ولكنها تمتد أيضاً إلى “العودة”، القصة التي لم تحمل سوى أسئلة تراجيدية لم تكن مطروحة قبل أن يطرح الجار اليوغندي، في جغرافيا الوطن والحي. تحتوي القصة على أسئلة حول عودة الذين حزموا حقائبهم عندما أشعل ثوار الأمس الحرب، وترك البعض هذا الوطن وعادوا إلى بقية البلدان التي عاشوا فيها، أو عادوا إلى الخرطوم؛ أو هكذا تواجه الراوية نفسها من خلال الشخصية الرئيسية في النص، عندما يجيبها جارها اليوغندي “أنجلو رجا إيست أفريكا وبيتر رجا غابة وطبعا أنت ياهو رجا كارتوم.”

ثم في فقرة أخرى:
(ثم مضى يخبرني بحماس أنه تحول من مهنة نظافة الأقدام إلى مهنة بيع الأطعمة الخفيفة، فطير (الشباتي) بالبيض المُحمَّر الساخن. شعرت فجاة، بغضب وغيظ وأنا أفكر في أن هذا الأوغندي أكثر إرتباطا مني بوطني). 4

بناء النص

ظلَّت مواضيع الشخصيات المطروحة في مجموعة (العودة) عرضة للمقاربة ضمن مجموعة من الزوايا المختلفة، إعتماداً على المدارس النقدية التي تأسست لمقاربة الأعمال الإبداعية، مثل البنيوية أو النفسية أو القائمة على النقد الإجتماعي، أو يمكن الإعتماد على كل هذه المدارس في آن معاً عبر تواجههم من أجل الحصول على صورة متنوعة التفاصيل ومعقدة. أو ربما لمنح فرصة أكبر ليس فقط في رؤية الواقع بجدارة أكبر؛ بل تشريحه بمبضع النقد بغرض المساهمة في فتح نافذة ضوء وأمل جديد. فالشخصية أولاً وقبل كل شيء مكون رئيسي، وركيزة أساسية لكل عمل سردي. والشخصية في هذه الحالة تلعب دورا بنيوياً أو وظيفياً يوازي دور البنيات الأخرى: الزمان والمكان والأحداث.

يعرف رولان بارت الشخصية بـ “أنها ناتج تركيبي يمكن أن يتكون من مجموعة من الثيمات التي تتكرر، فتكون تركيبة قادرة أو تركيبية معقدة عندما تضم علامات متناسقة أو متنافرة. وهذا التعقيد أو هذا التعدد هو ما يحدد شخصية الشخصية”.

كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل: “إن الشخصيات ذاتها في القصة نوعان: نوع يمكن أن نسميه “الشخصية الجاهزة” وهي الشخصية المكتملة التي تظهر في القصة- حيت تظهر دون أن يحدث في تكوينها أي تغيير وإنما يحدث التغيير في علاقتها بالشخصيات الأخرى فحسب. أما تصرفاتها فلها دائما طابع واحد. والنوع الثاني يمكن أن نسميه “الشخصية النامية” وهي الشخصية التي يتم تكوينها بتمام القصة فتتطور من موقف لموقف، ويظهر لها في كل موقف تصرف جديد يكشف لنا عن جانب منها”.

تميزت لغة النصوص في هذه المجموعة أيضاً بالتباين والتنوع، فمثلاً نجد في أكثر من قصة مزيج بين مفردات اللغة العربية الفصحى والعامية المحلية. منها يخرج النص عن إنتمائه للأدب الكوني وتضفي عليه الخاصية والصبغة المحلية، في محاولة ناجحة بكل تأكيد، لنقل اللغة المحلية إلى فضاء آخر أكثر إتساعاً من الحيز المكاني الذي سيظل محصوراً فيها.

وبعبارات قليلة، ترى الورقة أن مجموعة العودة، وبإستلهامها اليومي والمألوف، مع الإحتفاظ وصون مغامرات السرد من الوقوع في شرك الهتافية والسذاجة الواقعية، تكون قد نقشت إسم إستيلا قايتانوعلى قائمة الأدب الملتزم بقضايا الناس والحياة. لكنه ليس نقشاً على حجر، بل على سطح ماء، كيف لا وعمل الخيال ضمن مفرادت اليوماتي كان، ولايزال، إحدى مغامرات الأدب الكُبرى.

المراجع:
1- عبق مهن ص 23.
2- عبق مهن ص 25.
3- الهروب من المرتب ص 64.
4- العودة ص 59.
دكتور عزالدين إسماعيل– مداخلة حول الشخصية في القصة القصيرة.
خليفة بباهوراي- بناء الشخصية في القصة القصيرة (دراسة نقدية). 


مثيانق شريلو

كاتب من جنوب السودان