حذر نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم في المؤتمر الثاني والعشرين للأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من أن "تغير المناخ سيجعل الوضع الصعب أكثر سوءًا، وسيؤثر على ملايين الأشخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حاليا أكبر منطقة مستوردة للأغذية في العالم. في الواقع هي أكبر مستورد إقليمي لمنتجات الدواجن في العالم[1]. ومع النمو السريع لسكانها وانخفاض قدرات إنتاجها الغذائي بسبب المناخ والعناصر الجغرافية ، فإن الطلب على واردات الثروة الحيوانية ، مثل اللحوم ومنتجات الألبان، سيزداد بالتأكيد. هذا الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية له آثار ضارة على البيئة، لأن ذلك يساهم في تغير المناخ الذي كان الإنسان سببا له.
إنها لحقيقة أن نظام الغذاء العالمي الحالي هو أحد أكبر العوامل التي تساهم في تغير المناخ بنسبة مساهمة قدرها 14.5٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، أكثر من الانبعاثات من جميع الطائرات والقطارات والسيارات والشاحنات في العالم[2]. و يضع هذا عبئاً هائلاً على الموارد الطبيعية، فضلاً عن إحداث آثار عكسية على الصناعة وبالتالي تهديد الأمن الغذائي.

Source: www.feedstuffs.com
من أجل رعاية وإطعام وإدارة نفايات 70 مليون حيوان سنويًا للاستهلاك البشري، نخصص ثلث الأرض الخالية من الجليد في كوكبنا لهذا الأمر[3] ، ونحو 16٪ من المياه العذبة العالمية وثلث الإنتاج العالمي من الحبوب. هذا الاعتماد الهائل على الموارد الطبيعية يضع عبئًا كبيرًا على بيئتنا، مما يؤدي إلى ضرر بيئي محتمل لا يمكن عكسه. وقد ساهمت إساءة استخدام موارد إنتاج الأعلاف الحيوانية في مشاكل مثل ندرة المياه، وتلوث المياه والهواء، وتدهور الأراضي وإزالة الغابات. في الواقع ، تم ربط 75 ٪ من إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية بالزراعة الحيوانية، ناهيك عن أن الزراعة الحيوانية هي المسؤولة عن فقدان ما يقرب من ثلث التنوع البيولوجي لدينا، مما يضر بشكل رهيب بتوازن نظامنا البيئي[4]. يؤدي سوء إدارة الأراضي الخطير من قبل الصناعة إلى 29٪ من إجمالي انبعاث أكسيد النيتروز (N2O) [5] الذي يعيش 110 عامًا في الغلاف الجوي، مما يجعله أكثر خطورة بمقدار 310 مرة من ثاني أكسيد الكربون، اضافة الى فقد خدمات النظام البيئي على المستوى العالمي بسبب تدهور الأراضي والتصحر، و الذي يقدر بما يتراوح بين 6.3 و 10.6 تريليون دولار سنوياً[6].
الجانب الأكثر إشكالية في العلاقة بين تغير المناخ وتربية الماشية هو طبيعتها الدائرية. حيث أن الإساءة البيئية المتزايدة من جانب الصناعة ستضر بالمناخ، و أن الضرر الذي يلحق بالمناخ سيؤثر بدوره على الصناعة. على سبيل المثال ، الزراعة المكثفة التي تهدف إلى إطعام الحيوانات تقود الى ازالة العديد من الغابات، مما يؤدي إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي يساهم في الاحتباس الحراري المؤدي إلى الجفاف، الذي يمنع بدوره نمو المحاصيل لتغذية هذه الحيوانات. سلط مايكل أوبنهايمر، المؤلف المشارك للتقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ، الضوء على التأثير السلبي لهذه الحلقة المفرغة ، حيث ذكر أن "تغير المناخ يعمل كالمكابح" في إشارة إلى النسبة التقديرية البالغة 50٪ من الانخفاض في غلة المحاصيل على مدى السنوات ال 35 المقبلة بسبب الظروف المناخية[7]. هذا الانخفاض هو في الواقع رصاصة نحتاج إلى تفاديها مع 795 مليون شخص[8] بالحد الأدنى من الغذاء.
كونها معرضة بشكل خاص لتغير المناخ ، ستواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة وأزمة إنسانية بسبب نتائج مثل الجفاف، و الذي على سبيل المثال قام بتدمير أكثر من نصف محصول القمح في المغرب في عام 2015. وبحلول عام 2025 ، من المتوقع أن يتعرض 80 إلى 100 مليون شخص لندرة المياه. والأهم من ذلك هو أن تغير المناخ يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و التي هي منطقة تتزعزع باستمرار بسبب النزاع السياسي. فلا ينبغي أن يكون الغذاء وقوداً إضافياً لهذه الصراعات. وفقا للبنك الدولي، فإن التغير المناخي سوف يسبب أزمة اقتصادية بسبب نتائج مثل ارتفاع مستويات البحار، والتي يمكن أن تؤثر على 43 مدن ساحلية. في حالة الإسكندرية - مصر مثلا، فإن ارتفاع 0.5 متر سيترك أكثر من مليوني شخص في حالة نزوح، مع خسائر بقيمة 35 مليار دولار من الأراضي والممتلكات والبنية التحتية، بالإضافة إلى خسائر لا تحصى من الأصول التاريخية والثقافية2.

Source: http://www.thinkinggreen.gov.gi
يجب مواجهة هذا الموقف الحاسم الذي يواجه المنطقة بجهد جاد وجماعي للتطرق و لمعالجة أسباب المشكلة، من خلال سياسات من أعلى إلى أسفل وعمل قاعدي. ومع وجود 5 مليارات دولار من واردات اللحوم من دول الخليج، و 7.8 مليار دولار لباقي المنطقة [9]، فإن الاعتماد الشديد على استيراد المنتجات الحيوانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحتاج إلى تخفيض. وأصبح تغيير الثقافة الغذائية التي تعتمد بشكل متزايد على المنتجات الحيوانية واعتماد سياسات ولوائح مستدامة تسهل إنتاج الأغذية ذات الاكتفاء الذاتي في المنطقة، ضرورة لا خيارا، كما لخصت العديد من الدراسات. القيام بذلك سيقلل من مستوى الطلب الذي يدفع بزيادة إنتاج المنتجات الحيوانية. لن تساعد هياكل الإنتاج الغذائي المستدامة فقط في معالجة التغير المناخي، بل ستحسن أيضاً الوضع الاقتصادي للمنطقة من خلال إنشاء الصناعات المحلية التي من شأنها توليد فرص العمل وربما تصدير المنتجات، وبالتالي خلق مصدر للعملة الأجنبية التي من شأنه تعزيز الاقتصاد. في الواقع، منذ شهر مايو 2015، حققت قطر زيادة بنسبة 56٪ في منتجات الألبان المحلية، وكل ذلك يرجع إلى السياسات الحكومية التي تركز على تعزيز الإنتاج المحلي[10].
إن المبادرات التي تم تبنيها[11] في المنطقة لمعالجة تغير المناخ هي في الحقيقة خطوة في الاتجاه الصحيح ، إلا أنها تفتقر إلى عنصر المشاركة المباشرة من قبل المستهلكين، لتقليل الطلب على المنتجات الحيوانية. سيكون إشراك المستهلكين أكثر استدامة و تحقيقا لفوائد تتجاوز مجرد معالجة الاحتباس الحراري. على سبيل المثال، فإن الترويج لخطة غذائية تعتمد بشكل أكبر على الخضروات والحبوب والفاكهة لن يقلل فقط من الطلب على الماشية وبالتالي الإنتاج، ولكنه سيقلل أيضًا من معدلات الوفيات وتكاليف الرعاية الصحية. حيث أن استهلاك اللحوم مرتبط بالعديد من المشاكل الصحية مثل السكري والسرطان. في الواقع، لخَصت دراسة أجرتها جامعة جون هوبكنز إلى أن التقليل من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين يرتبط ارتباطًا جوهريًا بالحد من تناول اللحوم ومنتجات الألبان.
ومع ذلك ، فإنه من الضروري الاعتراف بأن قضية تغير المناخ لا يمكن معالجتها بشكل فردي، لأنها تتطلب تعاوناً والتزاماً دوليين، خاصة من البلدان الصناعية الكبرى الأكثر تسببا لبث كميات أكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة. لن يكون من السهل تحقيق هذا المستوى المهم من التعاون؛ ولكن حتى لو لم نتمكن من جلب الجميع إلى الطاولة والموافقة على معالجة الحجم الاعظم في مشكلة الغلاف الجوي، فإن أقل ما يمكننا فعله هو الاقتداء بالأمثلة.
المصادر
[1] https://www.poultryworld.net/Meat/Articles/2016/2/MENA-region-A-real-driver-for-international-trade-2754711W/
[2] https://climatenexus.org/climate-issues/food/animal-agricultures-impact-on-climate-change/
[3] https://climatenexus.org/climate-issues/food/animal-agricultures-impact-on-climate-change/
[4] https://climatenexus.org/climate-issues/food/animal-agricultures-impact-on-climate-change/
[5] https://www.epa.gov/ghgemissions/sources-greenhouse-gas-emissions#agriculture
[6] https://www.iucn.org/resources/issues-briefs/land-degradation-and-climate-change
[7] https://www.lifegate.com/people/news/agriculture-and-climate-change-causes-effects-impacts
[9] http://www.afedonline.org/Report2014/E/p156-171%20chp6%20eng.pdf
[10] https://thepeninsulaqatar.com/article/07/08/2018/Self-sufficiency-in-dairy-products-increases-to-84
[11] http://web.worldbank.org/archive/website01418/WEB/0__C-152.HTM