هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

جميع الأعمال الفنية هي من القيادة

كان إعتصام القيادة العامة للجيش بمثابة أرض الاحتجاج الكريمة، مليء بالأمل والشعر والفن والحياة. هو المكان الذي تجسدت فيه أحلام الأمة تاريخيا. رنت الموسيقى في جميع أنحاء شوارع ولاية الخرطوم، مثل موجات التغيير التي تردد صداها عبر الأفق. استمر الاعتصام المميز للثورة لمدة شهرين، صامدين فيه رغما عن أنف الحرارة الشديدة والإرهاق في فصل الصيف، دون أي مؤشر على التباطؤ أو التعثر. في داخل القيادة ، بنى الناس أمة حرة عاملة على تحقيق رؤاهم. و غدت القيادة الرمز الأساسي للأمل في الثورة السودانية.

كان الاعتصام شرفًا أبديا لكل من حالفه الحظ ليشهده في القيادة العامة آنذاك. استضافت الممرات الواسعة متظاهرين مدنيين من جميع الأنواع والخلفيات. كما اكتسب النشيد الوطني معنىً جديدًا مع سقوط زعيمين قمعيين وتوقعات بمستقبل أفضل. استضاف المسرح الرئيسي المتحدثين والمنظمين والثوريين و الفنانين على حد سواء، و أصبح المنصة الرئيسية لممارسة الضغط على الأطراف المتفاوضة على الفترة الانتقالية المتوقعة.

undefined

لوحة القيادة: آلاء صلاح التي انتشرت صورتها بشكل واسع. التقطت لها الصورة لنا هارون.

وكما يقول تشارلز ديكنز في إحدى اقتباساته: "لقد كانت تلك أفضل الأوقات و أسوؤها. كانت تلك نقظة أعلى الآمال وأقل الأحزان".

كان الاعتصام مسرحًا لبعض اللحظات الأكثر سعادة للثورة. رأينا كيف بمقدور شغف الحرية الإطاحة بعمر البشير و عوض بن عوف، و في الأثناء تغنينا بأناشيد الحرية لوقت طويل.

شارع الكلينيك - ملاذ الفنون والموسيقى والأدب، أصبح نقطة تجمع للمشهد الإبداعي الغني في السودان. تم عرض الكتب باستمرار وكانت متاحة للقراءة في أي وقت في فعاليات "مفروش". اجتمع الموسيقيون ليعزفوا الأغاني الثورية و النغمات الكلاسيكية على نحو يومي ، مثل أغنية إبراهيم الكاشف (أنا أفريقي ، أنا سوداني) ، ومحمد وردي (يا شعبا لهبك ثوريتك). كلتا الأغنيتين عكستا بشدة الروح الجماعية القوية والهوية السودانية خلال فترة الثورة.

فوق الكبري، حافظ ثوار النفق على الإيقاعات. ليلا ونهارا ، استخدموا الحجارة والعصي للضرب على الجسور المعدنية المكشوفة، ناشرين بذلك إحساس السلام و الألفة في ظل التغيرات الأمنية والتفاوضات. انخرط المتظاهرون في الهتافات الشعرية، وسعوا لنشر الوعي من خلال عدد من المحادثات والمبادرات التي نظمت عبر الخيام و التجمعات غير الرسمية. خلال تلك الأوقات ، تم تزويد الأطفال المشردين بالطعام والمأوى ، بالإضافة إلى الفصول الدراسية لهم و التي كانت تنظم يوميًا. استيقظ الوعي السوداني بشكل قوي ليشمل الجميع من مختلف الخلفيات و المستويات - تلك المسؤولية التي افتقدها السودان لعدة سنوات.

undefined

النفق: جامعة الخرطوم تطل على جدارية مذهلة لجلال يوسف. 

امتلأ موقع الاعتصام بجداريات ملونة من جميع الأنواع بشكل مستمر. ساهم أكثر من مائة فنان في صنع هذه الأعمال الفنية ، و التي يمكن القول أنها من بين الفنون العامة الأكثر أهمية و انتشارا على نطاق واسع في تاريخ السودان الحديث. يتم الاحتفاظ بالعديد من اللوحات الجدارية التي تم رسمها أثناء اعتصام السودان في الإنترنت مع مواقعها و حسابات الفنانين في معرض sudanrevolutionart.org. . عزز الاعتصام ثقافة الفن والتعبير في السودان باستخدام السبل المستمرة و الثابتة.

لقد كان لشباب قناة المصطبة أثر عميق في صنعهم للبيئة المحفزة في مقر الاعتصام. قدموا "ليالي القيادة"، و هي مجرد مثال واحد على الجهود العديدة المبذولة لبناء مجتمع أفضل لجميع السودانيين. تم تنفيذ مشروع لتنظيف منطقة مليئة بالقمامة وتحويلها إلى مساحة مذهلة للتعبير الفني. علقت الأضواء و زينت الجدران في حضورالأوتار، مما منح المكان جوا خاصا. تضمنت العروض إلقاء الشعر والموسيقى والقصص التي تم بثها مباشرة، و كانت ملهمة للكثيرين. في الواقع ، لحظات لا تحصى في القيادة عاشها الجميع معا، من قبل سكان الخرطوم والسودانيين في جميع أنحاء البلاد والعالم.

 

undefined

تلفزيون المصطبة بعد تنفيذ الإصلاحات: مشهد من "ليالي القيادة" بعدما تم تنظيف و تنظيم المكان. (تظهر الصورة أعمال فنية لأصيل دياب، فلاي249، جلال يوسف، و آخرون)

 سرعان ما تلى الرعب كل ذلك

شهدت الثورة السودانية خلال الاعتصام بعض أشد الأحزان و الخيانات. بكت الأمة معًا عندما قُتل أول شهداء رمضان خارج الاعتصام مباشرة في اليوم الثامن من الشهر الكريم في الثالث عشر من مايو 2019. تتالت المزيد من الأفعال الشريرة بسرعة. في الثالث من يونيو 2019 ، تم فض الاعتصام من القيادة باستخدام القوة الفاشية في ساعات الصباح الباكر، مع اقتراب عيد الفطر. وكأنه يوم القيامة. ترددت شعارات: "يا إنت يا بلدك ، جهز عديل كفنك". تلبدت السماء بالدخان القادم من منطقة الاعتصام، و استمر دوي إطلاق النار. قصة هذه المذبحة معروفة ووحشية، ففيها قتل المئات واغتصبوا ، وجرح الآلاف واحتجزوا. في ساعات الصباح الأولى ، كانت أمطار الليلة السابقة لا تزال تلمع في الشوارع. نزلت مجموعات حاشدة من القوات المسلحة وشبه العسكرية والميليشيات في محيط الاعتصام بشكل وحشي.

وصلت إلى جانب جسر النيل الأزرق من الاعتصام في الخامسة والنصف صباحًا ، بينما بدأ الهجوم في الخامسة صباحًا. كانت مذبحة مروعة بكل معنى الكلمة. و بحلول ذلك الوقت ، بدأت القوات المسلحة في الانتشار إلى الخارج و إطلاق الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، في إتجاه المناطق المجاورة لبحري بشمال الخرطوم. هرب بعض من المتظاهرين ممن تعرضوا للضرب والإصابة في الاعتصام. شعور بالخوف الجماعي كان في الأجواء. بالنسبة للناجين من المجزرة ، فقد كانت ذكرى مؤلمة و صادمة تشيب لها الرؤوس. كان الشعور العميق بالخيانة من القوات المسلحة على وجه الخصوص واضحًا. كما ذكر أحد شهود متاريس جامعة الخرطوم، و الذي يظل مجهولاً ، “أدركت في ذلك اليوم أننا لسنا بشرًا لهم. رأينا الموت في كل مكان حولنا. كانت هناك رصاص. الكثير منه. "

تراث الاعتصام التاريخي في السودان ما زال قائماً

لا يمكن الاستهانة بالتحدي و المقاومة التي تحلت بها الشوارع السودانية انطلاقا من تلك الفترة المظلمة. زادت الاحتجاجات بعد ذلك و اجتاحت السودان أثناء ما كان من المفترض أن يكون احتفالاً سعيداً بالعيد في الاعتصام. قاوم الوطن. استمرت الثورة في الحفاظ على وفائها لإيديولوجيتها السلمية، متجلية في المسيرات المليونية، العصيان المدني، الفن، الشعر، والتنظيم المجتمعي للدفع بالمطالب. على الرغم من نهاية الاعتصام بشكل مرير، إلا أن القصة قد تطورت. كما أوضح الثوار "إن كنتم تؤمنون بالاعتصام ، فقد تم فضه. لكن إن كنتم تؤمنون بالثورة ، فهي مستمرة". وبهذا المعنى، لم يتم فض القيادة العامة، بل أن روحها قد نمت. أصبح كل السودان امتدادًا للأساس الجميل الذي تم تشييده أثناء الاعتصام.

undefined

السلام فوق العنف: بري – الفنان أحمد صلاح المعروف ب زول 249. صورها The Art Revolution 

استمرت العديد من المجموعات من التي تشكلت في الاعتصام لفترة طويلة. "أبطال القيادة" هي إحدى هذه المجموعات، التي واصلت في تقديم الخدمات للأطفال المشردين حتى بعد الاعتصام. Reggae Everywhere هي أيضًا فرقة مكونة من أعضاء شباب قاموا بآداء أغاني معروفة و كتابة الأغاني عن الثورة. كما لا يزالون يؤدون الموسيقى ويؤلفونها حتى بعد الاعتصام . أصدرت فرقة Reggae Everywhere "شارع الخيانة"، للتعبير عن تجربتهم في فض اعتصام القيادة. تغنوا : "سرقت حياتنا منا ، ولكن الحلم لا يزال على قيد الحياة".

الحلم لا يزال حيا. لا يزال المجتمع السوداني يسعى جاهدًا لبناء الأمة التي حلم بها وعاشها خلال اعتصام الخرطوم والعديد من المدن الأخرى. لقد أعاد الفن الحياة للشوارع بشكل كبير، ويساهم العمال من جميع الأنواع بمهاراتهم في السودان الجديد من خلال تنسيقهم عبر المنظمات والمبادرات المحلية.

الرحلة نحو التغيير طويلة بالتأكيد ، ولكن الالتزام بالتغيير أطول. لا زالنا نعي و نحس بالإرث والتضحيات المتمثلان بالثورة والاعتصام ، من خلال روح و تصميم وتعبير نفس الجيل الذي كان سببا للثورة.

"حرية سلام وعدالة".

(بعد عام واحد - 6 أبريل 2020)


الهام علي

إلهام علي أمريكية من أصل سوداني، مهندسة ومتخصصة في التقنية. لها اهتمامات بالتنمية المستدامة والتمويل والفنون والسياسة العامة. إلهام مؤسسة موقع sudanrevolutionart.org ومديرة مهرجان موسيقى السلام السوداني. في وقت فراغها ، ترسم وتلعب الغيتار.