هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزء من الحياة المعاصرة وخصوصا في اوساط الشباب؛ وتتزايد اعداد روادها يوما بعد يوم. في تقرير اعد في مطلع العام الجاري قدر عدد مستخدمي الانترنت بحوالي 57% من سكان العالم، كما زاد عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة بين يناير 2018 وحتى يناير2019 ب280 مليون مستخدم ليصل العدد الكلي 3.48 مليار مستخدم حول العالم. العدد مرشح للنمو مستقبلا وهو رقم لا يستهان به، فهو يعكس الحيز الذي تشغله وسائل التواصل الاجتماعي من حياة الأفراد، اذ بلغ متوسط الوقت الذي يمضيه الفرد على الانترنت حوالي 6 ساعات ونصف يوميا.

أما هنا في السودان فقد بلغ عدد رواد مواقع التواصل الاجتماعي 3.5 مليون بمعدل زيادة بلغ 700 الف مستخدم خلال العام الماضي وحده . فقد اضحت مؤخرا احد اهم وسائل تداول الأخبار والمعلومات - هنا في السودان- ويعزى ذلك لتراجع الثقة في الإعلام الرسمي الذي تقع عليه شتى القيود التي تصل لمصادرة الصحف وترهيب الصحفيين واعتقالهم تعسفيا بحسب تقارير منظمة العفو الدولية(امنيستي) والرقابة المشددة التي تضيق الخناق على وسائل الإعلام التقليدي(كالصحف والتلفاز وغيرها). كل هذه التحديات جعلت وسائل الإعلام التقليدي تقدم صورة شائهة ومشوشة عن الحقيقة، فيما اتسمت مواقع التواصل الاجتماعي بالشفافية التي أهلتها لتصبح المصدر الاساسي لتلقي المعلومة لدى الكثيرين. ففي استطلاع للرأي أفاد المشاركون أن ثقتهم بمواقع التواصل مرهونة بمصدرها، حيث اعتمد معظمهم الأخبار التي ترد اليهم من صفحات الناشطين والصحفيين وصفحة تجمع المهنيين الرسمية تجنبا للشائعات والأخبار الملفقة. ولم يقتصر الأمر على الأفراد بل تعداه ليصل للقنوات الإخبارية التي لجأت للمحتوى المنشور على مواقع التواصل (الصور والفيديوهات) في نقل مجريات الأحداث في السودان وخصوصا بعدما تم اغلاق مكاتبها وسحب رخص مراسليها.

فضلا عن ذلك فقد أتاحت منصات التواصل - فيسبوك وتويترعلى وجه الخصوص-الفرصة لتكوين فضاء يمكن للجميع من خلاله ابداء رأيه في الشأن العام كالخطابات الرسمية وقرارات المسؤولين. وعقب ذلك حدث تنامي لوتيرة الغضب بين رواد مواقع التواصل استجابة لتدهور الوضع الاقتصادي وتدني الأجور، أضف الى ذلك قضايا الفساد الاداري والمالي. وسرعان ما تحول خطاب الغضب والسخط الى احتجاجات في ديسمبر 2018. وعليه فقد كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في تشكيل الوعي بالمشاكل لدى المواطنين، وكذلك في تعبئة الجماهير وتوظيف غضبهم في عمل منظم والتزام جماعي. ولا يسعنا انكار الدور الذي لعبته في تأجيج الحراك عن طريق نشر الصور والفيديوهات التي توثق الاحتجاجات وتضعها في متناول الجميع في خضم تعتيم الاعلام الرسمي وضبابيته.

undefined

Art by @yakam_dudes via picdeer.com 

والجدير بالذكر هنا هو نشوء العديد من المبادرات من خلال فيسبوك وتويتر منها تجمع المهنيين السودانيين - وهو الجسم الذي طرح نفسه كأحد قادة الحراك وموجهيه - الذي قام بعرض اعلان الحرية والتغيير عن طريق فيديو مباشر على صفحته الرسمية بفيسبوك ومن ثم جرى تداوله بين الجماهير وعلى شاشات المحطات الاخبارية. ونذكر ايضا مبادرة لا لإجازة قانون الطوارئ ومبادرة لجان مقاومة الأحياء فقد كان لكل منهم اثر كبير في تطوير الحراك على أرض الواقع. ولم يقف دورها عند هذا الحد بل امتد ليقدم منصة للكيانات التي نشأت لتمثيل الثوار وحماية مكتسبات الثورة نذكر منها: الحركة الوطنية للحريات والعدالة- حماية.

ليست الانتفاضة السودانية الاولى من حيث استخدامها الفضاء الرقمي الالكتروني، فقد سبقتها الى ذلك ثورات الربيع العربي ضد الأجهزة القمعية و ثورات أخرى حول العالم. وفرت تكنولوجيا المعلومات مساحة متحررة من قبضة الرقابة فروجت للاحتجاجات وقامت بهيكلتها والربط بين الناشطين الالكترونيين لنتحول من مرحلة الخطاب الى مرحلة الفعل الحقيقي في الميدان، فالدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي يؤهلها لتصبح أحد أدوات التغيير والنقد البناء في المستقبل لبيئة سياسية اكثر انفتاحا وتطورا.