هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

تتنوع مصادر الطاقة في السودان من وقود احفوري، طاقة مائية، طاقة متجددة ويورانيوم. ولكن 92% من الطاقة المستهلكة في السودان من الوقود الاحفوري، وللنفط على وجه الخصوص نصيب الأسد من الاستهلاك، اما ال 8% المتبقية مصدرها الطاقة المائية. 

تعتبر الصناعة البترولية من أهم مصادر تلوث الهواء، بدءا من الانبعاثات الغازية الناتجة عن عمليات استكتشاف النفط وإنتاجه. مرورا بالتسريب اثناء عملية نقله وتوزيعه الى مصافي النفط، والتي بدورها تلعب دورا هاما في انبعاث أخطر الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وأخيراً الانبعاثات التي تنطلق نتيجة استهلاك مشتقات النفط والغاز الطبيعي.

في العام 1978 تم اكتشاف أول بئر نفطي في السودان مما جعل السودان من الدول المنتجة للنفط. ثم تم انشاء عدة مصافي للنفط من أهمها مصفاة الخرطوم التي تم بنائها في عام 1997 وبدء تشغيلها في عام 2000 بسعة 50 ألف برميل نفط /اليوم. ثم تمت توسعتها لتشمل مصفاة أخرى عام 2006 بهدف زيادة الإنتاجية الى 90 ألف برميل/اليوم.

لا شك في أن انفصال جنوب السودان عام 2011 أدى الى نقصان الإنتاج النفطي بشكل كبير، ولكن بعد رفع العقوبات الامريكية السودانية العام الماضي 2017 قامت السودان بعمل اتفاقيات جديدة على انتاج النفط بمطلع هذه السنة. كما انها اتفقت مع دولة جنوب السودان على بدء فتح ابار النفط التي تم غلقها بسبب الحرب الأهلية في عام 2013. وتبعا لهذه الاتفاقيات الجديدة قررت الحكومة السودانية القيام بمشروع توسيع مصفاة الخرطوم للمرة الثانية كي تصل الى طاقة إنتاجية مقدارها 150 ألف برميل في اليوم، وهذا دليل كافي على أن الاستثمارات في السودان ليست موجهة نحو الحد من الانبعاثات الغازية الضارة في أي وقت قريب.

undefined

Source: krcsd.com

مصفاة النفط تقوم بتفكيك النفط الخام من مكوناته الأولية وتحويله الى منتجات استهلاكية كالبنزين والجازولين والفحم النفطي ووقود الطائرات وغيرها الكثير من المنتجات الأخرى. لكن تكمن المشكلة في أنه بعد الانتهاء من عمليات الفصل، تتبقى بعض المكونات التي يصعب تفكيكها، وبالتالي يتم التخلص منها عبر حرقها في الهواء منتجة غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 وأول أكسيد الكربون CO، وأكاسيد النتروجين N2O، وأكسيد الكبريت SO2، وكبريتيد الهيدروجين H2S. يعد حرق هذه المواد أكبر الملوثات الناتجة عن عملية تكرير النفط، بالتالي تم الاتفاق على معايير وحلول جديدة لمنع هذا التلوث من الحدوث تماما. بل ويتم أحيانا إغلاق كثير من المصافي القائمة بسبب الخوف من التلوث والتسريبات الغازية بالإضافة الى الانبعاثات الكربونية. ولكن في حالة مصفاة الخرطوم لم يؤخذ أي تدبير يحول دون حرق هذه المواد، بحجة غلاء التكلفة مع عدم وضع أي اعتبار على المخاطر المترتبة عن هذه الكارثة البيئية من أمراض خطيرة ومزمنة. هذا ويعتبر غازَي ثاني أوكسيد الكربون وأكسيد النتروجين من أهم الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.

من المؤكد ان القيمة الاقتصادية للمصافي عالية جدا والعائد الربحي منها خيالي ولكن الاستثمار في المصافي يتطلب مبالغ ضخمة وجهدا عاليا. إضافة إلى أن نشأة مصفاة نفط أخرى من شانها المضاعفة من انبعاث هذه الغازات في الغلاف الجوي والتأثير في دفع درجات الحرارة إلى ما هو أبعد كثيراً من الحدود التي لا ينبغي أن تتجاوزها، وفقاً لاتفاقية باريس.  

مما لا يخفى على أحد أن السودان من إحدى الدول الأقل تسببا في التغير المناخي، لكن تاريخه يضعه ضمن أكثر الدول تأثرا بالاحتباس الحراري. فحرب دارفور التي نشأت بسبب الجفاف والقحط في العام 1984 أي بعد ست سنوات فقط من اكتشاف النفط، صنفت كأول حرب مناخية في العالم. مع العلم أن سوء الأحوال قد تضاعف منذ ذلك الوقت بدءاً من التفاوت في معدلات سقوط الامطار بشكل ملحوظ وامتداد الصحراء فيه ما يقارب 100 كيلو متر خلال أربعين عاما فقط، وتقلص الغابات لتمثل فقط 10% من المساحة الكلية للبلاد. والأسوأ من ذلك هو الارتفاع القاتل في درجة الحرارة، ويتوقع ارتفاع متوسط الحرارة الى درجة ونصف حتى عام 2060.
 

برأيي يجب التوقف عن تمويل مشاريع تهدد الإنسان والبيئة على حد سواء لأن السودان بأحداثه الراهنة لن يكون فقط ملعب لحروب سببها التبدلات المناخية، بل أيضا سيكون بقعة غير صالحة للحياة وسيصبح الشعب السوداني مجرد ذكرى.

المصادر:

· http://www.rcreee.org 

· https://www.sudaress.com 

· Climate Wars by Harld Welzer