نسبة الجريمة في السودان في إرتفاع مضطرد بالرغم من أنها لا تزال تُعتبر منخفضة نسبياً. بجانب جرائم الفساد والرشاوي المعلن عنها، تُعتبر السرقة وتخريب الممتلكات المتعمد من أكثر أنواع الجرائم إنتشاراً في السودان.
الفيلم القصير الجديد “نيركوك” يروي قصة حياة فتى فقير يعيش على السرقة. ” نيركوك” الطفل الذي بعد أن هرب من المناطق الممزقة بالحروب على حدود السودان وفقد عائلته، لجأ إلى العاصمة، الخرطوم، التي حاول العيش فيها على سرقة البيوت. لكن “نيركوك” لم يفعل ذلك لوحده، بل تحت وصاية لص محترف أقنعه وآخرين من الأولاد والبنات، أن حياة السرقة هي السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة لمن مثلهم من الأيتام والمشردين.
من إنتاج “أفلام كردفاني” لإنتاج الفيديو، يصوّر “نيركوك” كيف قد تؤدي الحروب والفقر إلى جرائم مثل السرقة والقتل. “الحروب تؤدي إلى النزوح والهجرات الداخلية والفقر، وظهور الفروقات الطبقية، و تساؤلات عن العدالة الإلهية” يقول محمد كردفاني مؤسس “أفلام كردفاني “.
“نيركوك” سيمس شريحة كبيرة من المشاهدين السودانيين ممن يعايشون بشكل مباشر آثار الحروب كالفقر والسرقة بصورة يومية تقريباً. بالنسبة لكردفاني فإن فكرة “نيركوك” قد ولدت يوم زار دار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين في السودان. “الزيارة غير مرتبطة مباشرةً بالقصة، لكنها ما ألهمني لكتابة السيناريو” يقول محمد..
كردفاني المقيم في البحرين، هو مهندس طيران بدوام كامل وصانع أفلام بدوام جزئي. إكتشف شغفه لصناعة الأفلام عندما إضطر لإعادة مونتاج ڤيديو زفافه لأن زوجته كانت غير راضية عنه. “كنت مستمتعاً بكل مراحل العمل، و شعرتُ أنني أرغب في مونتاج تصويري الخاص. فقمتُ بشراء كاميرا وإلتحقتُ بدورة لصناعة الأفلام المستقلة لمدة سنة، وشاهدتُ جميع الفيديوهات التعليمية لصناعة الأفلام في اليوتيوب وعلى الإنترنت” يقول كردفاني. ثم قام بإنشاء ” أفلام كردفاني ” في 2014.
“نيركوك” هو واحد من عدة أفلام منتجة بواسطة الشركة، يضيف محمد “الشركة متخصصة أساساً في إنتاج الأفلام المستقلة. ولكن، تقوم أيضاً بإنتاج الفيديوهات الإعلانية، و فيديوهات الشركات، كما تقوم كذلك بتغطية الفعاليات لضمان إستمرارية المشروع مادياً والتمكن من الإستثمار في معدات وآليات جديدة”.
في 2015 قامت شركة أفلام كردفاني بإنتاج 2 فيديو غنائي لمجموعة أصوات المدينة ومغنيها الرئيسي إبراهيم بن البادية. قامت الشركة كذلك بإنتاج “دهب ولم يعد”، فيلم روائي يحكي قصة شابين يائسين، تدفعهما أحلامهما للتنقيب عن الذهب في الصحراء. “الفيلم تقريباً من أكثر أشكال الفنون المرئية إنتشاراً في عصرنا الحالي وهذا ما يجعله أداةً مؤثرة. لا أدري إن كان في مقدور الفيلم تغيير حياة الناس ولكني أعرف أنه قد يعطي الكثيرين منظوراً جديداً” يوضح كردفاني.
عبر شركة أفلام كردفاني يقوم محمد كردفاني بتصوير قصص عن الحياة السودانية. “أشعر أن في السودان فجوات كبيرة جداً وسوء فهم بين الأشخاص الذين بشكل أو آخر تم تقسيمهم اجتماعياً، سياسياً، عرقياً أو جغرافياً. وأؤمن أن في إمكان الأفلام ردم جزء من هذه الفجوات، ويمكنها ببطء ولكن بكل تأكيد الجمع بين هؤلاء الأشخاص.” يقول “من حسن الحظ أن صناعة الأفلام في السودان قد إنتعشت اخيراً، مع بعض الجهود الشبابية المميزة من الأفراد والمبادرات كمشروع سودان فيلم فاكتوري وغيرها”.
يرافق كردفاني في طاقم “نيركوك” محمد الأمين مدير الإنتاج، محمد العمدة المخرج المساعد ومرشد صناعة الأفلام أمجد أبوالعلاء. “قمت بتعريف نفسي وشرح الفكرة لهم ثم طلبت منهم الإنضمام إلي، ففعلوا. وهذا ما حدث أيضاً مع الموسيقي الموهوب شاف أحمد الذي قام بتصميم الصوت والتأليف الموسيقي، وخالد عوض السينماتوغرافر الذي أتحفنا بلقطات رائعة” يعلِّق كردفاني.
Image Credit: Kordofani Films
“نيركوك” هو آخر إنتاجات أفلام كردفاني، لكنهم يعملون كذلك في تنظيم مسابقة للكتابة السينمائية لتشجيع الكُتّاب الموهوبين للإِنْضِمام إلى دار الإنتاج. الفائز أو الفائزة سيحصل على جائزة، ومبلغ مالي وسيتم تحويل السيناريو الذي كتبه لعمل سينمائي من إنتاج أفلام كردفاني، سيتحتم على الفائز أو الفائزة أيضاً التواجد في موقع التصوير لمساعدة الفريق في تحويل السيناريو المكتوب إلى فيلم متحرك” يقول كردفاني.
.مثل العديد من الأفلام المستقلة، العمل على “نيركوك” كان يمثل تحدياً. فريق العمل ضمّ ممثلين في سن صغير مثل الممثل الرئيسي الذي قام بدور “نيركوك”. “العمل مع الأطفال ليس سهلاً. إحتجنا لتعيين مشرفة لتقوم برعايتهم في جميع الأوقات لضمان سلامتهم، وتقوم كذلك بمراجعة الأدوار معهم والتعامل مع والديهم في غير أوقات التصوير” يقول كردفاني. وبالرغم من ذلك، وفي رأيه، فإن أكبر تحدي كان الإلتزام بالجدول الزمني.
“في بعض الأحيان كان يتطلب الأمر أن نبقى في موقع التصوير لمدة 13 أو 14 ساعة، فكان الممثلون ينامون بينما نقوم بتجهيز الإضاءة أو اللقطة” يقول كردفاني. بعض الأجزاء تم تصويرها في الشوارع المزدحمة في الرياض،الخرطوم. بالرغم من أن التصوير في الأماكن العامة يتطلب تصريحاً، إلا أن هذه العملية معقدة وغير واضحة “لم نرغب في المجازفة لذلك كنا نقوم بالتخطيط بحذر لتصوير اللقطات وعمل البروڤات في الإستديو في البداية قبل أن نخرج إلى الشارع بالكاميرات والمعدّات، لحسن الحظ لم يتعرّض لنا أحد أو يقوم بمصادرة معدّاتنا” يقول كردفاني. “نيركوك” سيُخلِّف أسئلة كثيرة لدى المشاهدين عن الرابط بين الحرب، والفقر والجريمة، لكنه سيُعمل أدمغتهم كذلك حول التعابير المعقدة للسلوكيات الإنسانية المرتبطة بالتسامح، والخوف والولاء. هل يصبح الناس مجرمين نتيجة لبيئتهم؟ كيف يمكن أن نجد العدالة؟ وكيف نستطيع كمجتمع التغلّب على الجريمة؟ والأهم، ستبرز على السطح أسئلة عن الآثار المترتبة عن العيش في دولة ممزقة بالنزاعات والحروب وغير مستقرة سياسياً ولا اقتصادياً. “لستُ متأكداً أي جزء سيعلق بذاكرة الناس أو يترك أثره عليهم، لكني أعلم أن الجزء الذي سيستقبلوه بلا مبالاة هو الحرب. للأسف بعد سنين طويلة من الحروب، أُصبنا بما يشبه الخدَر تجاه موضوع الحرب” يقول كردفاني.
يهدُف كردفاني إلى عرض “نيركوك” في السودان للمرة الأولى في نهاية يوليو 2016. بعد عرضه في السودان سيتمكن العالم من مشاهدته في مهرجانات الأفلام الدولية.
لمعرفة المزيد عن عرض فيلم “نيركوك” وغيره من الأفلام من إنتاج أفلام كردفاني، قوموا بزيارة صفحتهم على الفيسبوك .