تم نشر هذا المقال مسبقًا على موقع اللاجئ الفيلسوف.
أثارت مقاطع فيديو تم بثها مباشرة مؤخرا و أعدتها بعض النساء / الأمهات من جنوب السودان في أستراليا جدلاً جادًا في وسائل التواصل الاجتماعي حول قضايا العنف المنزلي والصحة النفسية. بدأ مقطع فيديو بسيدة - ولن أخوض في تفاصيلها الشخصية لأسباب تتعلق بالخصوصية - توضح مدى ذهولها وإحباطها و قهرها بكل المسؤوليات و الأعباء التي تحملتها، مما تركها تحت رحمة شريكها المهمل. أظهر مقطع الفيديو بوضوح تام مقدار ما كانت تكتمه، قبل أن تقرر المهاجمة بطريقة علنية. هذا بالإضافة لمقطع فيديو آخر من أم لديها بالمثل جملة من المشاكل الساحقة التي تعاملت معها لبعض الوقت، إلى أن قررت في النهاية انتقادها علناً.
دون الخوض في تفاصيل الخطأ الذي حدث و الذي لم يحدث ، فقد لاحظنا جميعًا مقدار الألم من خلال رسائلهن. و قد أدلى معظمنا ببعض التعليقات، و عبرنا عن مخاوفنا وغضبنا بأشكال عديدة.
من المثير للدهشة ، أنه لمن النبيل، بل الشجاع، أن يدين عدد قليل من الرجال الآخرين الذين يعتدون على النساء في المواقف المذكورة في الفيديوهات. ففي معظم الحالات، من النادر جدًا أن يخرج الرجال علنًا ناقدين نظرائهم الذكور. يتم التعامل مع مثل هذه الانفجارات الصاخبة للنساء على أنها جلب للعار لاسم العائلة و "الثقافة". و تتعرض النساء للقمع والضغط حتى يلتزمن الصمت، من أجل "الثقافة" واسم العائلة. فالمفهوم العام هو أن المرأة الصالحة لا تشتكي، و لا تنشر الغسيل القذر للعائلة ؛ فهذا يعتبر عدم احترامٍ.

Source: Lydia Ortiz via www.teenvogue.com
نشأت في تلك "الثقافة" وتزوجت لمدة عشر سنوات. سمعت عبارات مثل "ديار آ قوم" ، بمعنى "المرأة يجب أن تتحمل" و "تيك إي يين باي شين" ، وهذا يعني "على المرأة أن تضمن سلامة زواجها ومنزلها". لذلك ، كونك إمرأة ، فأنتِ ملزمة بتحمل أي نوع من الألم أو سوء المعاملة أو الظلم ، سواء كان من الزوج أو النسب أو أفراد الأسرة الممتدة ، دون أي شكوى. كما يتعين عليكي التأكد من الحفاظ على الثقافة و اسم العائلة جيدا، بكل الفخر و الكرامة. يظن البعض أن أي نوع من الغضب، أو تعبير المرأة عن إحباطاتها في الأماكن العامة لا يصدر إلا من امرأة سيئة السلوك أو امرأة فقدت مسار القيم الثقافية.
علاوة على ذلك، هناك تصور عام بأن الأمهات / النساء هن في طبيعة الحال مقدمات أساسيات للرعاية. ومن هنا تبرز ثقافة أنه ينبغي عليهن تحمل عبء الحفاظ على شمل الأسرة. للأسف، أساء بعض الناس فهم الفكرة واستخدموها لصالحهم- استخدموا الثقافة ككبش فداء. في بعض الحالات، يتم إلقاء اللوم على الأم / النساء في حالة انهيار الأسرة، أو عندما يكون هناك حالة أطفال جامحين. حتى في الحالات التي تُظهر بوضوح سوء سلوك الرجل ، يُلقى باللوم على المرأة لعدم اجتهادها في سبيل إبقاء الأسرة معًا. لا يُدان الرجال ولا يتحملون مسؤولية أفعالهم، و يتغاضى المجتمع عن ذلك بطريقة ما. يسمع المرء عبارات مثل: "إيين إيه تان رور، إي يين ايتيه تشين إيه باي"، و التي تعني هؤلاء هم الرجال و هذا هو الزواج، فالأمر عادي.

Source: Getty Image via shondaland.com
بعض المشكلات المذكورة في مقاطع الفيديو المتداولة كانت: الإهمال (نقص الدعم ، ماليًا ، عاطفيًا وجسديًا)، سوء المعاملة، التلاعب والعزلة الاجتماعية. عبرت النساء عن مدى أهمية تدخل شركائهن الحاليين والسابقين (في هذه الحالة، الآباء و الأبناء والآباء الآخرين) في تحمل المسؤولية إذا فشلت الأمور. أثرت/تؤثر هذه المشاكل على صحة المرأة العقلية وصحة الأطفال. لذلك، هناك حاجة لكل الأشخاص المهتمين بالقضية و المجتمع ككل للوقوف بجانب هؤلاء النساء المثقلات، والبدء في التثقيف و الوقاية واستكشاف الحلول الممكنة لمقاطعة مشاكل الصحة العقلية والحفاظ على سلامتنا الاجتماعية.
يتم النظر إلى الحديث عن إهمال الرجال على هذا النحو: فمنذ العيش في "بان كواجا" ، فإن النساء اللائي يجدن أصواتهن ويقاومن الإيذاء يوضعن و بشكل خاطئ في اطار اولئك اللاتي يتبنين نوعا جديدا من الحرية و هجرٍ لثقافة الفرد. هل بإمكاني السؤال عن ماهية الثقافة؟ هل تدور حول الإساءة؟ هل يجب عليها أن تعاني حتى أن تكون امرأة / زوجة صالحة؟ لماذا ينظر إليه كأمر جيد عندما ترضي المرأة للرجل و تحمي صورته وصورة الأسرة والثقافة على حساب صحتها العاطفية؟ بما أن الطلاق أو الانفصال ليس بالأمر الجديد، فهل ما زال المرء غير ملزم برعاية أطفاله؟
تعمل أصوات هاتي النساء على فتح أعين الآخرين في القضايا التي قد تغضب البعض. هناك مواضيع حساسة تحتاج إلى استكشاف جيد لضمان سلامة الجميع وخاصةً الأطفال. دون التعمق في الموضوعين الرئيسيين - العنف الأسري والصحة العقلية - أنا متأكدة من أننا قد نتفق على أن تلك المجالات تحتاج إهتماما.
حاليًا، بصفتي ناشطة في الصحة النفسية و السلامة في جنوب السودان، فإني أعمل جنبًا إلى جنب مع أفراد المجتمع لإستكشاف هذا المجال بدقة. نأمل بأن يكون لدينا قريبا برامج تعمل على تثقيف ودعم المجتمع في مثل هذه القضايا. فلنجد طرقًا لمعالجة هذه القضايا دون خوض حرب نوعية ضد فئة معينة. يتأثر كل من الرجال والنساء بطرق مختلفة، على الرغم من أن ذلك يعتمد على مقاييس و معايير مختلفة.