يعتقد الكثير من الناس أننا حينما نحب شخصاً يجب أن نتعلق به وأنه أمر طبيعي. فيؤدي هذا التوهم إلى حالة نفسية وهي التعلق التي يعاني منه معظمنا سواء في الماضي أو الحاضر. ولكن هل تعلمون ماهو الفرق بين الحب و التعلق؟
الحب هو القدرة على تكوين مشاعر تجاه شخص ما لكونه/ها إضافة جميلة إلى حياتنا وليس لتعويض شعور يفترض أن يكون منتجاً من دواخلنا و يلازمنا. عندما نتفكر في المقتبسات و الإرشادات التى نقرأها عن الحب نجدها تحثنا على أن نحب أنفسنا أولاً، لأن الحب يبدأ من دواخلنا ثم نوجهه إلى الآخرين.
يحدث التعلق بالأشخاص عندما نكون بحوجة إلى الإحساس بالحب، وبالتالي نمتص طاقة الحب من إنسان آخر. ولذلك نتألم بشكل كبير عند إبتعاد هذا الشخص أو عدم إهتمامه. والسبب الآخر للتعلق هو الخوف من الوحدة و الهجر.
يكمن السبب الرئيسي لهذه المشكلة في قلة الوعي في مجتمعاتنا المتحفظة و في طريقة تنشئتنا منذ الصغر. إن التحدث عن الحب أمر محظور رغماً عن كونه مهم جداً، خاصة في فترة المراهقة حينما يصبح المصدر الوحيد للتعرف على الحب و العلاقات هو القصص و المسلسلات التلفزيونية .
هذه المصادر تجعلنا نعتقد أن الحب هو التعلق أو أنهما يأتيان معاً. لقد تعلمت الفرق بين الحب و التعلق عندما أخبرتني معالجة بالتنويم الإيحائي أنني متعلقة بشخص ما و أنني لم أكن في حالة حب. كانت صدمتي كصدمة الطفل عندما يقرأ قصة بنهاية ليست سعيدة. لذلك بدأت بالقراءة و البحث العميق عن هذا الحب الغير صحيح.
إكتشفت أن هذا الأمر يمكن أن يكون تطوراً لأحداث عميقة كالشعور بعدم الإهتمام و الحب في الطفولة مما يعيدني إلى نقطة مجتمعاتنا المتحفظة و المنغلقة والتي لا تشجعنا على قول “أحبك” حتى لأطفالنا. هذا يؤدي الى مشكلة أخرى وهي ربط مفهوم الحب بالعلاقة بين الرجل والمرأة فقط، في الوقت الذي يجب أن نفهم بأن الحب هو إحساس طبيعي قد يكون تجاه أصدقائنا و أفراد عائلتنا أو أي شخص مقرب إلينا و نوليه ثقتنا, حتى وإننا نشعر بالحرج حينما نقول لفرد من العائلة “أحبك”. هذه السلوكيات تحجم من قدرتنا على الحب مما ينتج عنه الرغبة الملحة للبحث عن أي شريك حتى وإن كان غير مناسب كي نفرغ طاقة الحب المقموعة. فينتج عن ذلك ظاهرة الهوس بالعلاقات كما يحدث الآن في مجتمعنا السوداني. هل لاحظتم كيف أصبح الأمر رائجاً جداً أن يسألك أحدهم “هل أنت مرتبط عاطفياً؟” ، “هل تفكر بأحد ما؟” إن لم تكن إجابتك بنعم سيكون السؤال التالي، لماذا؟ هذه الأسئلة تصنع ضغطاً كبيراً و شعوراً بالفشل – خاصة لدى النساء – وحينها يبدأن بالتساؤل إن كن يعانين من مشكلة ما. وتكون العواقب في هذه الحالة خيارات خاطئة تنتج من حوجتهن الملحة إلى الإرتباط ظناً أن ذلك ما سيجعلهن مقبولين مجتمعياً.
يحدث أيضاً للنساء التعلق بدون وعي (أي من العقل اللا واعي) وذلك بسبب أن الفتاة تنشأ منذ الصغر على مفهوم أن المرأة أقل شأناً من الرجل, وأن النساء يحتجن الحماية من الرجل ولا يمكن ان تعيش المرأة بدون رجل، مما يسبب تخزين هذه الإعتقادات في العقل وبالتالي يحدث هذا التعلق .و رغما عن كون هذه الأمور تحدث للنساء أكثر من الرجال إلا أن للرجال نصيب أيضاً، ولا يمكن أن نستبعدهم. ففي الحقيقة يمر الرجال في طفولتهم بنسخة مضاعفة من ذلك الحظ القليل من الحب. حيث يتعلم الأطفال في سن صغيرة جداً أن الرجال لا يبكون وأنهم لابد لهم أن يصبحوا أقوى من النساء وأن يقودوهن. وفي النهاية يؤمن الرجال بتلك الأفكار مما ينتج أيضا تعلق بلا وعي من نقص الحب والحنان في مرحلة الطفولة وقد يلجأ الرجل لمعالجة هذا التعلق بالدخول في علاقات عاطفية متعددة نتيجة مفاهيم أن المرأة ضعيفة وأقل شأناً ويمكن إستبدالها.

Image Credit: sahilkhurmi.wordpress.com
تتضمن الأسباب النفسية الأخرى الخوف من الوحدة و الهجر و الشعور بالنقص و فقدان قيمة الذات أو إعتقاد الشخص أنه لايستحق الحب أو السعادة. كل هذه الأسباب يمكن أن تتكون كتأثير لمشاكل داخلية ربما حدثت للشخص منذ الطفولة أو قد تكون تراكماً لأحداث أدت إلى توليد هذه الأحاسيس. مثلاً بعض الأشخاص الذين تم هجرهم أو عاشوا طفولة وحيدة يعتقدون أن شريكهم سيكون الشخص الذي يملؤن به الفراغ العاطفي ولذلك يحدث التعلق. أما الشعور بفقدان الذات وعدم الإستحقاق يمكن ان ينجم من العلاقات التي تنتهي بشكل سيء، أو بالفشل و الرفض الذي يحدث في مختلف نواحي الحياة كالأكادميات و العمل أو حتى الصداقة.
إن لم تكن واثقاً بأنك تحب شخصاً أم أنك متعلق بحضور أحدهم في حياتك، ستجد هنا إرشادات سريعة للتقييم.
إليكم عدد من أعراض التعلق:
– الرغبة الدائمة في البقاء مع الشخص و معرفة كل تفاصيل ما يقوم به.
– الشعور المستمر بالحوجة إلى التأكد من حب شريكك لك بشكل متكرر.
– أن يكون شريكك هو المصدر الرئيسي للحب، ولست أنت.
– عدم إتاحة الفرص للشريك بأن يتمتع بمساحته الشخصية، وهو أمر طبيعي جداً، ويجب أن يكون لك مساحة خاصة أيضاً.
– الخوف من أن تكون كل مناقشاتك في حالة حدوث مشاكل ربما ستؤدي إلى الإفتراق.
– البحث المستمر عن طرق لإرضاء الشريك حتى وإن كنت لا تمثل نفسك.
– الشعور بالشوق ، دائماً ما يتصاحب مع الحزن و الألم وكانك لن تستطيع العيش بعيداً عن هذا الشخص لفترة طويلة.
– أخيراً، لا يمكنك أن تقول لا وأن تترك هذه العلاقة حتى وإن لم يبدوا الأمر جيداً فإنك تستمر في العلاقة حتى نهايتها و بذلك تؤذي نفسك لأنك لا تمتلك/ين القوة الكافية لكسر هذا التعلق.
الآن و قد علمنا الفرق بين الحب و التعلق، كيف يمكننا أن نعالج هذا الامر؟ عن طريق نشر ورفع الوعي. يجب عليك أن تكون مدركاً للفرق بين علاقة الحب الصحيحة الصحية و التعلق غير الصحي. أقترح بأن نتعلم الحب من العلوم و الكتب أولاً وان نترك المسلسلات التلفزيونية للإرشادات الرومانسية. والأهم من ذلك أن نتحقق من أنفسنا لماذا نحتاج و نحس بالعوز للحب؟ ما الذي يعوضه إحساس الحب داخلنا؟ وكيف نعالج هذا الشعور الداخلي بالنقص؟ لا تشعر بالنقص أو الخجل من أن تطلب المساعدة أو الإستشارة، نحن نعيش في القرن الحادي و العشرين و مقولة “الطبيب النفسي للمجانين” عبارة عفى عليها الدهر. ستكون هناك مشاكل دوماً، ولكن يمكننا إما أن نتعايش معاها بطريقة منطقية صحيحة بدون أن نؤذي أنفسنا أو أن نجد لها حل جذري إن توفر.
أن تحب ولا تكون متعلقاً ذلك هو الحب الغير مشروط و الذي لا تحدده القيود.
والآن دعوني أسألكم, هل أنتم في حالة حب أم تعلق؟