هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

ماهو منهج السودان؟ ومن هم المستهدفين به؟

هل سمعتم بمملكة الفونج الإسلامية في سنار؟ عرفتم بالشائعة التي تزعم أن المغنية السودانية "ستونة" أقامت مراسم الحناء للمغني "برينس" في القاهرة؟ هل تعلمون شيئاً عن تاريخ المدائح النبوية في السودان؟ إذا كانت أجوبتكم "لا" فأنتم بحاجة لقراءة منهج السودان.

مستوحى مباشرةً من "منهج إسلام السود" ل "كايلا ويلر"، منهج السودان هو مشروع مفتوح لجمع المصادر عن تاريخ وسكان السودان، مع التركيز على المصادر الأكاديمية والمواضيع الإخبارية. أقوم بالإشراف على منهج السودان تحديداً للناطقين بالإنجليزية من الصحفيين، الأكاديميين والمهاجرين (بما فيهم شخصي) الذين يشعرون بالإحباط نسبة لقلة المصادر عن السودان وتاريخه – أو الذين لا يعلمون ما يكفي ليصابوا بالإحباط لقلة معرفتهم. كل ما عليكم فعله هو إستخدام الهاشتاق على تويتر لإقتراح مصادر أخرى لتتم إضافتها.#SudanSyllabus

إذا كنت من سودانيي المهجر، فإذن عليك أن تقرأ منهج السودان من أجل التواصل مع الآخرين في الشتات والعثور على نقاشات حول موطنك. إذا كنت صحفياً، فيجب عليك قراءة منهج السودان لإنتاج قصص غنية عوضاً عن تسطيح كل القصص عن السودان بالتعليق المبسط حول الحرب. إذا كنت أكاديمياً مهتماً بتاريخ أفريقيا والشرق الأوسط، وخاصةً الجوانب الدينية فيها، فيجب عليك بالتأكيد الرجوع ل #SudanSyllabus للفصل الدراسي القادم في خريف هذا العام. ولكن هناك أكثر بكثير - إذا كنت مهتماً بعلم الآثار، الدولة القومية، المرأة، و المنظمات المحلية مقابل المنظمات الحكومية، و العبودية التاريخية، الفن، الأدب، المطبخ، أو أيٍ من الموضوعات المدرجة في جدول المحتويات، فهنالك شيء لك في المنهج.

لماذا قمت بكتابة منهج السودان؟

الكثير من السودانيين الذين عاشوا في الولايات المتحدة يعلمون معاناة أن تكون أسوداً لكنك لا تنتمي للأمريكان من أصول إفريقية، والعديد منهم ايضاً عاش تهميش المسلمين عندما لا ينظر لهم كأفارقة خاصة لو كانوا من الناطقين بالعربية. في ستينات القرن الماضي كان هناك كثير من التداخل بين الأمريكان من أصول إفريقية و المسلمين والمتصوفين السودانيين والمفكرين الأفارقة، وسردياتهم دائماً ما كانت متداخلة في ذهني. لاحظت ذلك التداخل أكثر فأكثر عندما بدأت أقرأ عن الموضوع في الجامعة، إهتمامي ب "الإسلام الأفريقي" تزايد لأن هذا التاريخ غير معلوم للعامة حتى لو تباهى به الأكادميين في بعض المناسبات. لذلك عندما قامت "كايلا ويلر" بكتابة "منهج الإسلام للسود" – الرائع – لاحظت أن هنالك معلومات قليلة جداً عن التجارب السودانية، التي لا تتطابق مع تجارب الأمريكان من أصل إفريقي ولا حتى الشرق أوسطيين من ناحية العرق والدين، لأن السودانيين ليسوا مسلمين فقط أو سود فقط. توصلت إلى أن ذلك نتيجة لأن معظم الناس، بما فيهم شخصي، لم يقرأوا عن السودان إلا كتابات سطحية عن الحرب، فبدأت بكتابة منهج السودان.

التوعية الإلكترونية فعلت الكثير لإضافة وجهات وزوايا نظر مختلفة عن بلاد "الرواية الواحدة" كما سمتها "شيماماندا أديشي". ركَزتُ على التاريخ المنسي لأنه بالنسبة لي أكثر سحراً وليس موجوداً على مواقع الإنترنت عن السودان. المراجع المذكورة في المنهج مفيدة بالنسبة لي كما لأي شخص آخر و بها مواضيع على شاكلة: لماذا أنكرت وسائل التواصل الإجتماعي المصرية مؤخراً عدد وعمر الإهرامات السودانية؟ ماذا كان شكل الحياة أيام الدولة المهدية؟ كيف تغيرت المناهج التعليمية خلال الزمن؟ ماذا كان شكل ملابس أجدادنا؟ هذه ليست فقط أسئلة حيرى لن نجد لها إجابات، بل هنالك الكثير من المصادر التي نحتاج لقرائتها بما في ذلك المعلومات المخزنة في ذاكرة الناس الذين عاصروا تلك الفترات وما يزالون على قيد الحياة وبصحة جيدة.

هنالك عقوبات اقتصادية مفروضة على السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، فإذا كنت تعيش في السودان فأنت لا تستطيع طلب الكتب عبر الإنترنت من موقع أمازون و ليس لديك إمكانية الحصول على المقالات الأكاديمية الأمريكية المتوفرة عبر الإنترنت – أعلم ذلك لأنني عشتُ لسنوات من دون مكتبات عامة عندما كنتُ في أمدرمان. وحتى لو إستطعت الدخول إلى تلك المواقع، هل يوجد شاب أو شابة في ظل إقتصاد السودان المتهالك يستطيع توفير 90 دولار لشراء كتب أو مقالات عبر الإنترنت؟ بالنسبة لي فإن منهج السودان عزَز من أهمية القراءة وربط بين الباحثين السودانيين وخلق منصة بديلة لتبادل ونشر القصص والمعلومات. حتى قطوعات الكهرباء في الخرطوم لم تمنع العصر الرقمي كلياً، لا يستطيع الكُتَاب باللغة الإنجليزية التظاهر بأن الباحثين والناشطين السودانيين غير موجودين، أو أنه لا يوجد وسيلة للإتصال بهم اذا كانوا لا يتحدثون اللغة العربية. بالمقابل ينتج عن هذا ما يعرف ب"متلازمة كلومبوس" حيث يهنئ الشخص نفسه على أبحاث/إكتشافات يعمل عليها باحثين آخرين.

إشتهر السودانيين بوجهات نظرهم المتباينة في مواضيع السياسة والدين، وقد أحسست بمدى صعوبة جمع المصادر لإعطاء مجال لكل هذه النظريات المتباينة. ربطتُ المراجع منذ بداية المنهج السوداني بالصحف اليومية والمؤرخين والمنظمات والقنوات بدل ترك القارئ معتمداً على الكتب كلياً، لأنه حسب وجهة نظري لا يجب رفع شأن الكتب كمراجع معتمدة على حساب المعلومات المستقاة من المحيط الأسري والتجارب الحياتية. هذا مهم للغاية لأن السودانيين لطالما عاشوا مالم يؤرخ له الباحثين. المصادر المختلفة يجب أن تكون مكملة لبعضها البعض، وإلا سينتهي بك المطاف – على سبيل المثال – بإختزال المشهد الديني في السودان إلى "سلفية جيدة مقابل صوفية سيئة" كما صورها في بداية الألفية صحفيو مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بدلاً عن تناول الموضوع بتحليل أكثر نقداً نظراً للطبيعة المعقدة للدين في المجتمع السودان.

أخيراً دوماً ما يربط الناس التاريخ بالمدوَن والمنشور ويتجاهلون المصادر غير الرسمية. لكن أغلب السودانيين يستقون المعلومات عن السودان من الدراسات السياسية، الصحافة، الأسرة، المصورين، القنوات التلفزيونية، الواتساب والمدوَنات – وانا أحب العمل بهذه المصادر. جزء من بحثي الحالي نشأ من تدوينة ل "ريم جعفر" عن أحد الأمثال السودانية ذات الطبيعة العنصرية، مما جعلني أبحث عن دراسة أنثروبولوجية عن الأمثال في قرية في منطقة نوري في ستينات القرن الماضي، مما قادني لبحث دكتوراة أظهر أن المثل كان مذكوراً في كتاب ديني من العصور الوسطى كان يُدرَس في المنطقة قبل إصلاح التعليم. أحبُ أن يعرف الناس أن التاريخ ليس شيئاً موجوداً في الكتب – بل هم أنفسهم التاريخ!

ما هي تمنياتي لمخرجات منهج السودان؟

هذه أول مرة أفعل فيها شيئاً كهذا – وأنا مستمتعة جداً بما تعلمته من هذه التجربة، خاصةً أنني ملئتُ الفراغات الموجودة من المصادر باللغة الإنجليزية عن السودان.

مبدئياً سيكون من العظيم أن نرى منهجاً جنوب سودانيَ، بالإضافة إلى منهج مكتوب باللغة العربية. نقطة الضعف الوحيدة في المنهج الحالي هو إقصاء هذين المبحثين، لأنني أردتها أن تكون مراجع مكتملة وليست هوامش وملاحظات جانبية، لكن بالتأكيد فإن تاريخ السودانين متداخل بكثرة ولا يمكنك فهم أحدهما دون الرجوع للآخر.

ثانياً أود أن أرى مشاريع مرئية يسهل الوصول إليها أكثر عن السودان، على سبيل المثال مقالات مصورة ومشاريع شفاهية عن التاريخ الثقافي، كتاب عن تاريخ الفن والعمارة المعاصرة في السودان، ترجمة لسيَر ذاتية، استعراض أو حتى بودكاست لكتب عربية وإنجليزية لأولئك الذين لا يستطيعون قراءة الكتب بأنفسهم. ليتم تناول السودان على محمل الجد، يجب أن يُصبح مكاناً تستطيع تصوره بالكامل داخل رأسك، وليس بقعة فارغة على الخريطة يستطيع كل من يرغب أن ينسج حولها القصص التي تخدم مصالحه.

في الختام، عثرتُ على الكثير من أسماء الأصدقاء وأفراد الأسرة في صفحات تلك المصادر – وذلك منحني إحساساً بالفخر أكثر مما سيمنحني أي منهجٍ آخر. وهذا ما أتمنى أن يحدث للآخرين نتيجةً لهذا المنهج – أصواتٌ ووجوهٌ يستطيعون تمييزها وأنسنتها وإحترامها.

يمكنكم الإطلاع على منهج السودان على الموقع الإلكتروني والمشاركة في النقاش على تويتر على الهاشتاق #SudanSyllabus