هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

تم مؤخراً توجيه دعوة لأندريا للتحدّث في الندوة الاقتصادية النسوية التي إستضافها المحور السوداني للأعمال الناشئة. الحدث كان يموجُ بالنساء العاملات في حقل الأعمال وأخريات مهتمات بالتعرّف أكثر على هذه البيئة وأساسيات ريادة الأعمال؛ الكلمة التي أصبحت فجأة الأكثر ضجيجاً في عالم
الأعمال والمشاريع التجارية.

كنّا محظوظين بمقابلة واحدة من المؤسسات الحرفية المستقلة والمحلية الرائدة، ومحاورة مؤسِستها ميسون مطر.

كغالبية الخريجات، تخرّجت ميسون من جامعة الخرطوم كلية العلوم (قسم فيزياء ورياضيات) وعملت لعدة سنوات (في الجامعة) ثم تفرّغت للزواج وإنجاب الأطفال. تحصّلت على منحة من المعهد الأفريقي للعلوم الرياضية لإستكمال دراستها في جنوب أفريقيا. مقتنعة بضرورة الإستثمار في مجالها،
إلتحقت بجامعة كايب تاون وأكملت ماجستير الفيزياء النووية في 2010.

مُسلّحة بشهاداتها العلمية المتقدمة عادت ميسون إلى السودان لتواجَه بأكبر خيباتها عندما لم تستطع الحصول على وظيفة أحلامها. إختارت ميسون أن تعمل في تدريس الرياضيات بالمدارس مؤقتاً حتى تجد حلاً للأمور. عن تلك الفترة من حياتها تقول معلّقة: " كنتُ كمعلمة رياضيات أمام معادلة بين ضغوطات العمل، والعمل لساعات طويلة وعدم توفّر الوقت الكافي لقضائه مع الأسرة والإجتماعيات. كان الحل في أن أتوقّف عن الإهتمام بأطفال (شركات) الآخرين وأحصل على طفلٍ لي".

undefined

خاضعةً للقلق وباحثة عن الإلهام، تركت ميسون عملها في 2012 وبدأت مباشرةً في البحث عن الطرق المتاحة للإستفادة من مهاراتها ومعرفتها، والإحاطة بالتراث والتصاميم السودانية وحجز مكانة مميزة في السوق المحلي. تقول ميسون متذكّرة الأيام الخوالي: "أردتُ أن اصنع منتجات تحمل بفخرعبارة صُنع في السودان".

بدأت ميسون تقضي ساعات طويلة على الإنترنت بحثاً عن شركات فنية تطرح منتجات بخلفية ذات وعي، مستغلة مواد محلية، بأثمانٍ زهيدة، متوفرة وصديقة للبيئة. أخذت تبحث في الدول المجاورة عن التصاميم التراثية المُلهمِة التي تعكس الهوية المحلية وتمزج الأنماط القديمة بالحديثة.

ممتلئةً بالإلهام، بدأت ميسون البحث في السوق المحلي لتجد غزارة في الخيارات التي تعكس الوضع الراهن لإقتصاد البلاد. تقول مفكّرة: "أسعار الذهب هذه الأيام ليست في متناول الكثيرين، لذلك فإن التشكيلات الصينية الرخيصة تسيطر على السوق. المنافسة ليست عادلة بين المنتجات المحلية والمستوردة، ومع ذلك نجد صانعي المجوهرات السودانيين يعملون جاهدين للبقاء في هذه الصناعة، لكنهم يستخدمون أحجاراً وكريستالات مستوردة للحفاظ على أسعار منخفضة". بعد أن وجدت السوق مليء بالمنتجات المستوردة من جميع أنحاء العالم مع ندرة في وجود إنتاج مُقدَّر للمجوهرات السودانية، قررت ميسون تبنّي مشروع للتصميم "بدافع الغيرة على بلدي وناسي".

الإستراتيجية والتكوين

وُلدت فندورا؛ المؤسسة التي تستخدم مواد محلية مُعاد تدويرها لصُنع مجوهرات وإكسسوارات جميلة. تُركِّز فندورا على التوعية البيئية من خلال تنظيم ورش عمل للتدوير في المدارس والمراكز الثقافية والسجون. تعمل فندورا كذلك وبمشاركة منظمات غير حكومية محلية في تنظيم حملات للتوعية
البيئية، وتمكين المرأة وبرامج إعادة إدماج السجناء. عن إسم العلامة التجارية تقول ميسون: "أنشأنا الإسم من كلمتين عربيتين: (فن) و (دور). فندورا هو دور الفن؛ نحن نؤمن أن للفن دوراً رئيسياً في تغيير وتنمية المجتمع".

سريعاً وجدت ميسون شريكتيها مهيرة مجدي وخنساء طه، اللتين وقعتا أسيرتين لفكرتها ووجدتا فيها بديلاً عن العمل المكتبي التقليدي من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءاً. الثلاثي إتخذنّ من غرفة على سطح منزل عائلة ميسون ورشة لهنّ وفي فبراير 2013 شقّت العلامة التجارية طريقها لمعرض "مفروش" ذائع الصيت المقام على الشارع العام في وسط الخرطوم.

الثلاثي إجتمعنّ حول وضع إستراتيجية للشركة الناشئة، واضعات قضايا المرأة في الصدارة، و مُحاولات إيجاد حلول لتلك القضايا عبر عملهنّ. ملتزمات بالعمل مع الشرائح النسوية الضعيفة، شرعنّ في وضع فندورا ضمن المؤسسات العاملة في مكافحة الفقر. بحثنّ أولاً وتدربنّ على إعادة تدوير النفايات الصُلبة (الورق، الزجاج، البلاستيك والمعادن) وعلى إستخداماتها في الصناعات اليدويّة. ثم بدأنّ في تكوين شراكات لمشاركة معرفتهنّ مع النساء لخلق وسيلة لجلب الدخل لهنّ .تشاركنّ مع المركز الفني الحر في تدريب نساء (تتراوح أعمارهنّ بين 20 و 50) على صناعة منتجات يدويّة من الورق المُعاد تدويره.

بعد أن وجدت طريقها للنساء المسجونات عن طريق شراكة مع منظمات بيئية وبرنامج الأمم المتحدة للمتطوعين بدأت فندورا في تدريب وإعادة إدماج النساء في إصلاحية الجريف بالتركيز على بناء وتنمية مهاراتهنّ.

تحوّلات على الطريق

في 2013 تقدّمت فندورا ومؤسِساتها وتمّ إختيارهنّ للمشاركة في الموسم الأول من مسابقة مشروعي لريادة الأعمال، أحرزنّ تقدماً سريعاً في المراتب ليحجزنّ مقعداً من بين 5 مُشاركين في التصفيات نصف النهائية. إختيارهنّ من بين 2000 متقدم شكّل دفعة قوية للروح المعنوية للفريق. حرِصنّ على
الحصول على أكبر قدر من النُصح والتوجيه - في مجال العمل والخطة الإنتاجية - من الكمّ الهائل من الخبراء الذين إختلطنّ بهم خلال المسابقة. بعد عدة شهور في البرنامج "عرف الناس فندورا وأظهروا دعماً كبيراً، فكان ذلك بمثابة إعلان مجاني للفكرة".

وجدت ميسون نفسها في موقع رأس الحربة بعد أن غادرت شريكتيها لإستكمال دراستهما، لكنها ومجهّزة بالثقة والخطط القوية، مستعينة بالخبرة والشبكة المتزايدة من زملاء المهنة، إنطلقت بخُطىً ثابتة. بدايةً كان الوقت قد حان للإستعانة بإيدٍ عاملة إضافية لزيادة خط الإنتاج، عيّنت فندورا 17
بدوام جزئي للمشاركة في عمليتي التصميم والتصنيع.

توسّع مجال التسويق لفندورا ليشمل الإعلانات على شبكة الإنترنت وخارجها بالإضافة الى البازار الشهري الذي تُنظّمه الشركة في سودان كافيه في الخرطوم بحري. كما إعتمدت على الأهل والأصدقاء لجلب الزبائن وخلق قاعدة من المعجبين. ولعلمها بإرتباط السودانيين بموسيقاهم حرصت ميسون دائماً على تواجد فِرق موسيقية وعازفين لجذب إهتمام الزبائن وإضفاء نكهة على الأمسيات. فندورا أيضاً تقدم معروضاتها للذين يتسوقون مباشرةً من المعرض الدائم أو من المتجر الإلكتروني الذي يتوفر عبر عدد من منصات التواصل الإجتماعي. تطرح المؤسسة مجموعة تصاميم جديدة كل ثلاثة أشهر.

الطموح المستقبلي

حالياً تعمل الشركة في العديد من مشاريع ريادة الأعمال وبناء المقدرات بمشاركة برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومنظمات غير حكومية ومنظمات المرأة؛ للعمل في إعادة إدماج المسجونات الحاليات والمسجونات السابقات وضحايا العنف الموجّه ضد المرأة في المجتمع. تبحث فندورا عن إمكانية التوسّع في خط الإنتاج لإستيعاب عدد أكبر من النساء والفتيات لكنها تبقى غير واثقة من جدوى فكرة التمويل الأصغر، مع إن الطريق سيكون طويلاً ومليئاً بالعقبات إلا أن المؤسِسة ليست في عجلةٍ من أمرها متخذةً "أحلام كبيرة ببدايات صغيرة" شعاراً لها.

بناء مشروع تجاري في السودان ليسَ بالأمر السهل، خاصةً إذا كان مشروعاً صغيراً كتصنيع المجوهرات من المخلّفات المُعاد تدويرها، بلا إنتاج ضخم. فندورا قد تكون ما زالت تتلمس خطواتها في عالم الأعمال لكن الإعتراف بها كمؤسسة يأتي في جرعات مُقدّرة - حازت ميسون مؤخراً على لقب سفيرة ريادة الأعمال في اليوم العالمي لروّاد الأعمال لعام 2015 الذي يُقام سنوياً في جميع أنحاء العالم. ما زالت غير متأكدة من كيفية حدوث ذلك لكن ميسون تظنّ أن العمل الشاقّ الذي قام به فريق فندورا لم يذهب سُدىً وقد بدأ يؤتي أُكُله على الصعيد المحلي، وأخيراً، العالمي. قبِلت ميسون اللقب بسعادة لتحصُل فندورا على الرخصة في الحدث العالمي الذي سيقام في السودان، ولأن الفرصة التطوعية تتوافق مع أهدافها في تعزيز وتنمية إقتصاديات المرأة.

مع تردّد كلمة ريادة الأعمال بكثرة مؤخراً في جميع أنحاء العالم تساءلنا كيف تُعرّف ميسون ريادة الأعمال: أجابت " هي إحدى السُبل للهروب من
ظروفنا السيئة كالحرب ومشاكل الإقتصاد والبطالة وغيرها. إنها حلُم الجيل الجديد بدل إنتظار الوظيفة المثالية". بالرّغم من تشكيك الكثيرين حول ريادة الأعمال وأثرها، ميسون من المؤمنات تماماً بأنها ستعود بالنفع على السودان وخاصةً على النساء اللواتي يستطعنّ خلق ثروات اقتصادية عبر الوسائل غير التقليديّة وتأمين سبُل العيش لهنّ ولأسرهنّ وللمجتمع بصورة عامّة.

كما يمكنكم التعرّف أكثر على فندورا وشراء تصاميمها بزيارة صفحتها على الفيسبوك.


فريق التحرير

فريق تحرير أندريا