معزولين عن العالم
هناك شيء مثير للإهتمام، بدأ إستخدام الإنترنت تجارياً في السودان سنة 1996، سنة واحدة فقط قبل فرض الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عقوبات على الحكومة السودانية (في نوفمبر 1997). مَنَعت العقوبات إستخدام التكنولوجيات الجديدة التي تنتجها الشركات العالمية و الأمريكية بالأخص، ومنعت كذلك أي علاقات مالية بين البنوك الأمريكية والسودانية.
حين كانت الخدمات القائمة على الإنترنت تزدهر في الولايات المتحدة، أُغلِقت بوحشية قبل أن تنتشر بشكل ملموس في السودان. عُزِلنا عن هذه الطفرة التكنولوجية بعد سنة فقط! مع هذا الإنفصال، بات الشعب السوداني- إلى حد كبير- لا يُقَدِر الأهمية المتزايدة لمنتجات وخدمات الإنترنت، وكيف لها أن تُحَسِن الحياة اليومية. و كيف لهم ذلك؟ لم تتمكن الشركات السودانية من إنتهاز الفرصة لخلق قصة نجاح الإنترنت و تطبيقاته التجارية في السودان. و لم يقدروا على تكرار تجارب الإختراق القوية التي مرت بها بلدان أخرى، وذلك بسبب نقص حاد في البنية التحتية لخدمات الإنترنت، مثل طرق الدفع الإلكتروني.
النضال
عندما بدأت نهضة الإتصالات السلكية واللاسلكية و التأثير الكبير على المجتمعات والشركات، ظهرت الهواتف المحمولة و أصبحت شائعة. وبالمثل، أصبح إستخدام وصلات الإنترنت الهاتفية مثيراً للإهتمام و جعل الكثيرين يتسائلون عن إمكانية وتأثير الإنترنت على الشركات و الإقتصاد التجاري. أثار هذا الفضول إنشاء شركة Softwexكوكالة لتطوير الشبكات. كشركة صغيرة صارعنا كل يوم من أجل القيام بمهام بسيطة, كتسجيل و إنشاء المواقع وحسابات البريد الإلكتروني لعملائنا. في ذلك الوقت، إذا كان شخص في حاجة إلى تسجيل موقع إلكتروني، كان عليهم أن يمتلكوا بطاقة إئتمان (فيزا أو ماستركارد) أو “باي بال”، أي خيارات لا نستطيع الحصول عليها بالحسابات المصرفية السودانية. دفع الرسوم اللازمة لتنشيط الخدمات سنوياً كان صراع آخر مستمر.
فرصة لخلق قيمة
خلال سعينا لجعل المشاريع تستمر، وبعد تراكم الخبرة في مجال الإنترنت في السودان، قررنا أن نتحدى أنفسنا في حل مشاكل شبكة الإنترنت التي واجهتنا. كشركة و كأفراد عانينا وكان كل من حولنا يعانون بشكل كبير من النقص الحاد في الوصول إلى الخدمات على شبكة الإنترنت الدولية. رأينا فرصة لحل مشكلة التعطيل التي تعرقل ممارسة الأعمال التجارية في السودان، وأردنا إضافة قيمة إلى معاملات الناس على الإنترنت و الحفاظ على إستدامة الشركة.

مبدأ مختلف
كان علينا أن ننظرللمشكلة بإبتكار. حتى عام 2011، كانت شركات الإستضافة أو إعادة بيع خدمات إستضافة و إنشاء المواقع تعمل بطريقة المتاجرة التقليدية. كان العميل يزور مكتب شركة التكنولوجيا ويطلب إسم الموقع. نظراً لعدم كفاءة العملية، ينتظر العملاء أيام كثيرة لإستلام الرد، ودوماً ما تكون الخدمة غاية في الغلاء. وجدنا الحاجة إلى إثبات أن الخدمات المستندة إلى الإنترنت في السودان يمكن تشغيلها بكفاءة و بشكل كلي و متكامل. قد يبدو الأمر سهلاً، ولكن كان علينا قهر تحديات صعبة، واجهها العديد من مهندسي البرمجيات في الماضي و لم يتمكنوا من حلها. أولاً، كان علينا تطوير خدمة الإنترنت ومحاولة إيجاد حل لقضية الدفع الإلكتروني.
تأملنا في مهمتنا و وجدنا أن علينا القيام بها بعد إيجاد أبسط الحلول، لأنه إذا شرعنا في بناء الحل النهائي للمشاكل المعقدة في السودان سنكون مجانين ساعين لهدف غير واقعي بتاتاً. الصدام مع السياسات وحواجز الطرق مهام ضخمة تتطلب موارد و شبكات مالية وبشرية داخل القطاع المصرفي لم تكن لدينا آنذاك. كشركة صغيرة، لم يكن لدينا أيضاً ميزانية أو صبر كافي للتعامل مع الجنون التنظيمي في مجال الإنترنت. بدلاً من الشروع في مهمة مستحيلة، إتخذنا مبدأ البساطة. ألهمتنا بطاقات شركات الإتصالات التي يستخدمها الكثيرين في السودان لشحن هواتفهم بالرصيد. قمنا بتطوير و طباعة بطاقاتنا المخصصة لخدماتنا، و بات بإستطاعة عملائنا شرائها عبر شبكة توزيع أسسناها مع أصدقائنا وشبكات الأعمال التجارية التي نعرفها. سمينا الخدمة iHost.
منذ إطلاق “iHost” نمت شركتنا نمواً فائقاً، وأصبحت قاعدة عملائنا مبنية من المئات بدل العشرات. كما قدمنا أكثر من ألف إستضافة و تسجيل مواقع جديدة، وأصبحنا الرواد في إعادة بيع إستضافة المواقع. عملائنا أحبوا بطاقات إعادة الشحن و لا تزال المفضلة لديهم رغم اننا طورنا حلول دفع أخرى على الإنترنت، مثل بوابة الدفع EBS والتي تدعم 27 بنكاً و بيتكوين المال الرقمي.
النصر
تدشين خدمة تسجيل وإستضافة المواقع الجديدة و المبتكرة على الإنترنت في السوق المحلي يوم 5 سبتمبر 2011 كان إنتصاراً لنا. مشاهدة رد فعل مجتمع التكنولوجيا كان مثيراً للغاية، و دفعنا إلى مواصلة تحسين الخدمة. كما جلب لنا هذا الإنتصار مستثمر جديد و كان ضد العقوبات فكسر لنا نافذة للخروج من القفص الذي تضعنا فيه السياسات الخارجية الأمريكية. سواء كنا أفراد أو شركات أصبح من السهل جعل صوتنا مسموع من خلال إنشاء مواقع على الإنترنت. أتعجب حين أتذكر أنني لم أستطع القدرة على هذا الأمر البسيط عندما كنت طالباً جامعي في عام 1999. كانت القدرة على شراء المواقع الإلكترونية بالجنيه السوداني مجرد حلم، ولكن الآن هذا واقع. Softwex الآن الشركة الأولى من حيث حصة السوق، حائزة على 0.4 من القطاع في الربع الأول من عام 2015.
حتى بعد أن خففت الولايات المتحدة العقوبات التي تفرضها على السودان من خلال رفع بعض القيود على التكنولوجيا، لا يزال الكثيرين غير قادرين على تسجيل المواقع أو الإستفادة من الخدمات التي تقدمها شركات عالمية أو أمريكية، لأنهم مقيدين من دفع ثمن تلك الخدمات.
التطبيقات و الأسواق الرقمية
بعض الناس يلقبوننا بالرواد، و لكننا غير متأكدين! نحن مجرد فريق يجيد ما يحب و لديه دافع من الإمكانيات لخلق شيء عظيم على شبكة الإنترنت وخدمات الهاتف النقال. كشركة، نسعى دائما لتقديم أفضل قيمة لخدماتنا لنبني بها المجتمع الذي نخدمه. في أكتوبر عام 2013، أصبحنا أول شركة في السودان تستخدم حلول الدفع عبر الإنترنت التي أُدخِلت حديثا من قبل EBS، وأول من قبل مدفوعات البيتكوين. حالياً نستخدام الخبرة والمعرفة و الجهد للعمل على تطبيق للمحمول، يسعى للمساعدة في حل جزء من مشكلة النقل داخل الخرطوم. فريق العمل راضٍ عن النموذج الأول، ولكن لا زال علينا حل بعض المشاكل الفنية وغير الفنية قبل إطلاق التطبيق.
في نهاية عام 2014، قدمنا ElBiruniمتجر رقمي يبيع الكتب السودانية لمساعدة الناشرين من السودان الحصول على مزيد من التسويق في الأسواق العالمية. تعاونا مع شركات مثل DHL وأرامكس للشحن المتكامل، لتبسيط عملية الشحن وتقليل فرص الأخطاء البشرية.
هذه المشاريع أتت لتزيد من مدى إبتكارنا لإستكشاف تطبيقات و خدمات في شبكة الإنترنت والمحمول و التكنولوجيات الجديدة. لم نخشى محاولة موارد جديدة و لا تزال المكافأة الحقيقية من كل هذه الإستكشافات والإختبارات هي ملاحظات العملاء. عندما يرسل لنا عميل جديد رسالة مليئة بالشكر و العرفان حول تجنبهم للمعاناة من سؤال الناس خارج السودان للمساعدة، هذه الرسائل تجلب الدموع إلى أعيننا وتزودنا بالوقود للمثابرة لتقديم حلول رقمية أفضل، مصممة للشعب والسوق السوداني.