الحب يعلم الحمر الرقص (مثل فرنسي)
يحتل الرقص مكانة عالية في المجتمعات الأفريقية حيث أنه ممارسة قديمة يتم فيها التفاعل بين كافة أفراد المجتمع، من الملك إلى الصياد والجندي والمرأة والطفل والحداد وكل أفراد المجتمع. حيث يتم التفاعل بشكل أشبه بالفوضوي ولكنه منظم, ومن أهم سمات الرقص الأفريقي أنه يحتاج إلى راقصين كثر في أغلب الأحيان، وبالتالي يتم التعاون بين الراقصين كما يمارسون حريتهم في التعبير، فيوصف الرقص شكل من أشكال التعبير عن الجمال, الشجاعة, و الحب وغيره.
نسبة لأهمية الرقص تم تحديد التاسع والعشرون من أبريل- نيسان من كل عام كيوم عالمي للرقص. يصادف هذا التاريخ ميلاد الراقص الفرنسي جان جورج نوفير 1727- 1810. كان نوفير راقص ومصمم رقص, كما أنه وضع بعض أسس رقصة الباليه الشهيرة. ويحتفل بهذا اليوم نسبة لأهمية الرقص في حياة الناس وحاجتهم إلى الخروج ولو لبعض الوقت من ضغوطات الحياة اليومية لا سيما السياسية. ويحث مجلس الرقص العالمي الحكومات بضرورة تخصيص أماكن للرقص وكذلك تدريسه في مختلف المراحل التعليمية.لا يقل الرقص أهمية عن الموسيقي, الغناء والشعر كما أنه يمثل التفاعل الكامل بين الإيقاع الموسيقي والجسد, كما أنه بطبيعة الحال يساعد على تقوية الذاكرة والتخلص من الإكتئاب وأيضاً يجعل الجسد أكثر مرونة. يمكن وصف الرقص على أنه القدرة العالية على إستخدام الجسد وجعله يتفاعل مع الموسيقي وإستخدام الذاكرة الثقافية والجمالية لخلق مزيج من الدلالات والإشارات التي تستطيع تجاوز السرد التقليدي. حيث يستطيع الرقص أن يحكي قصص البطولات, و الصداقة والتعبير عن الإنتماء وترسيخ القيم. ويعد الراقصين العظماء في كل قبيلة هم الشجعان والفرسان، لأن فضاء الرقص عند أي قبيله لا سيما في جنوب السودان هو فضاء يتنامي فيه الحرية والتلاقح وتتلاقى عنده مختلف الأجيال والخبرات.
in Juba, southern Sudan, Friday, July 8, 2011. Southern Sudan is set to declare independence from the north on Saturday, July 9th. (AP Photo/David Azia)
الرقص وبناء السلام
يمكن القول أن للرقص دور في بناء السلام؛ بالأخص الرقص الشعبي. يُعرف بناء السلام على أنه “تشييد البنية الأساسية والهياكل التي تساعد أطراف النزاع على العبور من مرحلة النزاع إلى مرحلة السلام الإيجابي”. غياب الحرب أو النزاع لا يعني بالضرورة وجود السلام، و لكن التسامح وتقبُل الناس لبعضهم البعض وغياب العنف بمختلف أشكاله وإنتشار روح الإحترام وتقبل الآخرين في أي مجتمع من المجتمعات يعني وجود السلام, وما أحوجنا إليه في هذا الوقت. يوجد لدينا في جنوب السودان عشرات الرقصات الشعبية التي يتم ممارستها في المناسبات. وربما أهم سمة هي أن الرقص يمثل التفاعل بين الماضي, الحاضر والمستقبل. حين يرقص الصغار والكبار والشباب معاً في تناغم عجيب، يكتشف المرء نفسه في أغلب الأحيان داخل حلبة أو دائرة الرقص ويشعر بفرح لا يوصف أثناء تأدية الدور.
شئ آخر مهم لدينا في أفريقيا بصورة عامة وجنوب السودان خاصة هو أننا نرقص في كل الأوقات: نرقص عند الميلاد، السماية, البلوغ، ونرقص أكثر عند الزواج، وندق الطبول عند الذهاب إلى الصيد، ويشتد الأمر أكثر في حالة الحرب ونرقص أيضاً في حالة السلام. كما يتم تأدية طقوس منها الرقص والغناء عند الجفاف أي عندما لا ينزل الأمطار وذلك لترضية الآلهة حتي تُنعِم على الناس بالمطر الذي يرمز إلى الخير في الفلكلور الشعبي. نرقص في أوقات الموت، نحن نرقص ليس فقط للمتعة والنشوة بل نرقص للمعرفة نرقص للعلاج وطرد الأرواح الشريرة، نرقص لسرد رؤيتنا للوجود، نرقص لأننا نحكي للوجود ونستمع له نحن ببساطة نرقص للفرح والحزن.
قدرة الرقص على تجاوز الإختلافات
نسبة لقوة ووجود الرقص في المجتمع وجب العمل على رفع وعي المواطنين بضرورة التعايش السلمي عن طريق الرقص, لما يحتويه من الحرية والتعاون بين الراقصين. إن هذا التعاون يمكن أن يساعد على أن يكون الناس على إتصال قوي ودائم مع بعضهم البعض.
كان الرقص إحدى أشكال التفاعل في منتدى حوض النيل الذي نُظِم للمجتمع المدني في دول وادي النيل, والذي أقيم في أسوان من 20-26 مارس الماضي. رقصنا على مختلف الأغاني واللغات والثقافات النيلية الغنية, ولم يحس أحد بالفرق أو الغرابة حيث كنا نؤدي هذه الأدوار كالمحترفين تماماً, وحتى في القاهرة رقصنا بشكل عفوي علي مطعم زوبا في الزمالك وإنضم إلينا آخرون لم نكن نعرفهم ولكنهم تفاعلوا مع الأداء والإيقاع الشجي للغناء الأفريقي الأصيل.
بدأ الأمر كتحدي بيننا؛ شخصي (جنوب السودان), فيليمون (أثيوبيا), ميلات (أثيوبيا), أبراهام (أثيوبيا), محمد (السودان), سارة (أوغندا), جنيفر (الولايات المتحدة), مي (مصر), أندري (الكنغو الديموقراطية) من جانب، ووليد شعلان (مصر) وبلقيس دوفال (بريطانية من أصل سوري) من جهة أخرى. غنت مي بالعربية, فيليمون بالأمهرية وجنيفر بالإنجليزية نيابة عنا, وردت دوفال التحدي بأغنية جميلة بالإنجليزية من طرفهما. وسرعان ما تحول الرقص على أنغام أمهرية ورقصة الشُلُك من جنوب السودان و التي يتواجه فيها شخصين ذكر وأنثي ويقفزوا بإنتظام مع الإيقاع بشكل دائري وترديد الأغاني, كما تقفز الأنثى إلى الخلف ومن بعدها الذكر، ويرفع الذكر يديه إلي الأعلي بين الحينة والأخري وهكذا دواليك. بدأنا نرقص وإنضم إلينا شعلان والعاملون في المطعم نرقص ونضحك كأننا نعرف بعضنا البعض منذ عشرات السنين. وفرح أصحاب زوبا بالأداء على الرغم من ضيق المحل, بعد الإنتهاء من الرقص جلسنا على مائدتنا والكل نفسه مرتفع وواصلنا الأكل. لم يخسر أي من المجموعتين الرهان لأننا خرجنا فائزين كلنا حيث غنينا ورقصنا معا.ً كانت هذه في الحقيقة تتمه لموجة الغناء الذي بدأناه في مطار أسوان و على البص متجهين إل وسط البلد.
هذا الإتصال العجيب بين الناس من مختلف الجنسيات والبلدان والخلفيات الثقافية فتح عينيّ على أهمية وقدرة الرقص علي القفز فوق الفوارق ووضع الناس في قالب واحد بل وتوحيدهم. كانت حقاً تجربة فريدة من نوعها وأعتقد أنها لم تكن لتكتمل لولا الرقص. من هذا المنطلق، نضيف إنشاء العلاقات والترابط الوجداني والإنساني إلى قائمة فوائد الرقص الكثيرة, وبالتالي يصبح الرقص لا مناص منه في عالمنا اليوم فبه نستطيع ربط أواصر التواصل بين الناس فكما نرقص في الأفراح نرقص أيضاً للصداقة والإنسانية والسلام